فأجازها إذا ذكرها بعد نسيانها. وذكر ابن رستم عن محمد رحمه الله في رجل سئل عن شهادة في أمر كان يعلمه، فقال: ليس عندي شهادة، ثم إنه شهد بها في ذلك عند القاضي، قال: (تقبل منه إذا كان عدلا، لأنه يقول نسيتها ثم ذكرتها، ولأن الحق ليس له فيجوز قوله عليه، وإنما الحق لغيره فكذلك تقبل شهادته فيه). قال أبو بكر: يعني أنه ليس هذا مثل أن يقول المدعي: ليس لي عنده هذا الحق، ثم يدعيه فلا تقبل دعواه له بعد إقراره، لأنه أبرأه من الحق وأقر على نفسه فجاز إقراره، فلا تقبل دعواه بعد ذلك لذلك الحق لنفسه لأنه قد أبطلها بإقراره. وأما الشهادة فإنما هي حق للغير فلا يبطلها قوله:
ليس عندي شهادة، وقوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) يدل على صحة هذا القول.
وقد اختلف الفقهاء في الشهادة على الخط، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: (لا يشهد بها حتى يذكرها) وهذا هو المشهور من قولهم. وروى ابن رستم قال: قلت لمحمد: رجل يشهد على شهادة وكتبها بخطه وختمها أو لم يختم عليها وقد عرف خطه؟
قال: إذا عرف خطه وسعه أن يشهد عليها ختم عليه أو لم يختم. قال: فقلت: إن كان أميا لا يقرأ فكتب غيره له؟ قال: لا يشهد حتى يحفظ ويذكرها. وقال أبو حنيفة: (ما وجد القاضي في ديوانه لا يقضي به إلا أن يذكره). وقال أبو يوسف: (يقضي به إذا كان في قمطره وتحت خاتمه، لأنه لو لم يفعله أضر بالناس) وهو قول محمد. ولا خلاف بينهم أنه لا يمضي شيئا منه إذا لم يكن تحت خاتمه، وأنه لا يمضي ما وجده في ديوان غيره من القضاة إلا أن يشهد به الشهود على حكم الحاكم الذي قبله. وقال ابن أبي ليلى مثل قول أبي يوسف فيما يجده في ديوانه، وذكر أبو يوسف أيضا عن ابن أبي ليلى: إذا أقر عند القاضي لخصمه فلم يثبته في ديوانه ولم يقض به عليه ثم سأله المقر له به أن يقضي له على خصمه، فإنه لا يقضي به عليه في قول ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: (يقضي به عليه إذا كان يذكره). وقال مالك فيمن عرف خطه ولم يذكر الشهادة: (إنه لا يشهد على ما في الكتاب ولكن يؤدي شهادته إلى الحاكم كما علم وليس للحاكم أن يجيزها، فإن كتب الذي عليه الحق شهادته على نفسه في ذكر الحق ومات الشهود فأنكر فشهد رجلان أنه خط نفسه، فإنه يحكم عليه بالمال ولا يستحلف رب المال). وذكر أشهب عنه فيمن عرف خطه ولا يذكر الشهادة (أنه يؤديها إلى السلطان ويعلمه ليرى فيه رأيه). وقال الثوري: (إذا ذكر أنه شهد ولا يذكر عدد الدراهم فإنه لا يشهد وإن كتبها عنده ولم يذكر إلا أنه يعرف الكتاب، فإنه إذا ذكر أنه شهد وأنه قد كتبها فأرى أن يشهد على الكتاب). وقال الليث: (إذا عرف أنه خط يده وكان ممن يعلم