الطاعة ولم يقدم على كبيرة فهو عدل). فأما شرط المروءة فإن أراد به التصاون والصمت والحسن وحفظ الحرمة وتجنب السخف والمجون فهو مصيب، وإن أراد به نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة والشارة الحسنة، فقد أبعد وقال غير الحق، لأن هذه الأمور ليست من شرائط الشهادة عند أحد من المسلمين.
قال أبو بكر: جميع ما قدمنا من ذكر أقاويل السلف وفقهاء الأمصار واعتبار كل واحد منهم في الشهادة ما حكينا عنه، يدل على أن كلا منهم بنى قبول أمر الشهادة على ما غلب في اجتهاده واستولى على رأيه أنه ممن يرضى ويؤتمن عليها. وقد اختلفوا في حكم من لم تظهر منه ريبة هل يسأل عنه الحاكم إذا شهد؟ فروي عن عمر بن الخطاب في كتابه الذي كتبه إلى أبو موسى في القضاء: (والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة). وقال منصور:
قلت لإبراهيم: وما العدل في المسلمين؟ قال: من لم تظهر منه ريبة. وعن الحسن البصري والشعبي مثله. وذكر معمر عن أبيه قال: لما ولي الحسن القضاء كان يجيز شهادة المسلمين ة إلا له أن يكون الخصم يجرح الشاهد. وذكر هشيم قال: سمعت ابن شبرمة يقول: (ثلاث لم يعمل بهن أحد قبلي ولن يتركهن أحد بعدي: المسألة عن الشهود، وإثبات حجج الخصمين، وتحلية الشهود في المسألة). وقال أبو حنيفة:
(لا أسأل عن الشهود إلا أن يطعن فيهم الخصم المشهود عليه، فإن طعن فيهم سألت عنهم في السر والعلانية وزكيتهم في العلانية، إلا شهود الحدود والقصاص فإني أسأل عنهم في السر وأزكيهم في العلانية). وقال محمد: (يسأل عنهم وإن لم يطعن فيهم).
وروى يوسف بن موسى القطان عن علي بن عاصم عن ابن شبرمة قال: (أول من سأل في السر أنا، كان الرجل يأتي القوم إذا قيل له: هات من يزكيك، فيقول: قومي يزكونني، فيستحي القوم فيزكونه، فلما رأيت ذلك سألت في السر، فإذا صحت شهادته قلت: هات من يزكيك في العلانية). وقال أبو يوسف ومحمد: (يسأل عنهم في السر والعلانية ويزكيهم في العلانية وإن لم يطعن فيهم الخصم). وقال مالك بن أنس: (لا يقضي بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر). وقال الليث: (أدركت الناس ولا تلتمس من الشاهدين تزكية وإنما كان الوالي يقول للخصم: إن كان عندك من يجرح شهادتهم فأت به وإلا أجزنا شهادته عليك). وقال الشافعي: يسأل عنهم في السر فإذا عدل سأل عن تعديله علانية ليعلم أن المعدل هو هذا لا يوافق اسم اسما ولا نسب نسبا).
قال أبو بكر: ومن قال من السلف بتعديل من ظهر إسلامه فإنما بنى ذلك على ما كانت عليه أحوال الناس من ظهور العدالة في العامة وقلة الفساق فيهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم