هي فرض كفاية، وفرض الجمعة والحج يتعين على كل أحد في نفسه، فلما لم يلزمه فرض الحج والجمعة مع الإمكان لحق المولى فهو أولى أن لا يكون من أهل الشهادة لحق المولى. ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) [الطلاق: 2] وقال أيضا: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) إلى قوله تعالى: (ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) [النساء: 135] فجعل الحاكم شاهدا لله كما جعل سائر الشهود شهداء لله بقوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) [الطلاق: 2] فلما لم يجز أن يكون العبد حاكما، لم يجز أن يكون شاهدا، إذ كان كل واحد من الحاكم والشاهد به ينفذ الحكم ويثبت.
ومما يدل على بطلان شهادة العبد قوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) [النحل: 75] وذلك لأنه معلوم أنه لم يرد به نفي القدرة، لأن الرق والحرية لا تختلف بهما القدرة، فدل على أن مراده نفي حكم أقواله وعقوده وتصرفه وملكه، ألا ترى أنه جعل ذلك مثل للأصنام التي كانت تعبدها العرب على وجه المبالغة في نفي الملك والتصرف وبطلان أحكام أقواله فيما يتعلق بحقوق العباد؟ وقد روي عن ابن عباس أنه استدل بهذه الآية على أن العبد لا يملك الطلاق، ولولا احتمال اللفظ لذلك لما تأوله ابن عباس عليه، فدل ذلك على أن شهادة العبد كلا شهادة كعقده وإقراره وسائر تصرفاته التي هي من جهة القول، فلما كانت شهادة العبد قوله وجب أن ينتفي وجوب حكمه بظاهر الآية.
ومما يدل على بطلان شهادة العبيد أن ثم الشهادة فرض على الكفاية كالجهاد، فلما لم يكن العبد من أهل الخطاب بالجهاد، ولو حصره وقاتل لم يسهم له، وجب أن لا يكون من أهل الخطاب بالشهادة، ومتى شهد لم تقبل شهادته ولم يكن له حكم الشهود، كما لم يثبت له حكم وإن شهد القتال في استحقاق السهم، ويدل عليه أنه لو كان من أهل الشهادة لوجب أن لو شهد بها فحكم بشهادته ثم رجع عنها أنه يلزمه غرم ما شهد به، لأن ذلك من حكم الشهادة كما أن نفاذ الحكم بها إذا أنفذها الحاكم من حكمها، فلما لم يجز أن يلزمه الغرم بالرجوع علمنا أنه ليس من أهلها وأن الحكم بشهادته غير جائز. وأيضا فإنا وجدنا ميراث الأنثى على النصف من ميراث الذكر، وجعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل، فكانت شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وميراثها نصف ميراثه، فوجب أن يكون العبد من حيث لم يكن من أهل الميراث رأسا أن لا يكون من أهل الشهادة، لأنا وجدنا لنقصان الميراث تأثيرا في نقصان الشهادة، فوجب أن يكون نفي الميراث موجبا لنفي الشهادة. وما روي عن علي بن أبي طالب في جواز شهادة العبد فإنه لا يصح من طريق النقل، ولو صح كان مخصوصا في العبد إذا شهد على العبد، ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أن العبد والحر سواء فيما تجوز الشهادة فيه.