غيره، واختلفوا فيه بعد اتفاقهم على اعتبار الجنس على الوجوه التي ذكرنا فيما سلف من هذا الباب، وإن حكم تحريم التفاضل غير مقصور على الأصناف الستة.
وقد قال قوم - هم شذوذ عندنا لا يعدون خلافا - إن حكم تحريم التفاضل مقصور على الأصناف التي ورد فيها التوقيف دون تحريم غيرها.
ولما ذهب إليه أصحابنا في اعتبار الكيل والوزن دلائل من الأثر والنظر، وقد ذكرناها في مواضع، ومما يدل عليه من فحوى الخبر قوله: (الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل كيلا بكيل) فأوجب استيفاء المماثلة بالوزن في الموزون وبالكيل في المكيل، فدل ذلك على أن الاعتبار في التحريم الكيل والوزن مضموما إلى الجنس.
ومما يحتج به المخالف من الآية على اعتبار الأكل قوله عز وجل: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس). وقوله تعالى:
(لا تأكلوا الربا) [آل عمران: 130] فأطلق اسم الربا على المأكول، قال: فهذا عموم في إثبات الربا في المأكول. وهذا عندنا لا يدل على ما قالوا من وجوه، أحدها: ما قدمنا من إجمال لفظ الربا في الشرع وافتقاره إلى البيان، فلا يصح الاحتجاج بعمومه، وإنما يحتاج إلى أن يثبت بدلالة أخرى أنه ربا حتى يحرمه بالآية ولا يأكله. والثاني: أن أكثر ما فيه إثبات الربا في مأكول وليس فيه أن جميع المأكولات فيها ربا، ونحن قد أثبتنا الربا في كثير من المأكولات، وإذا فعلنا ذلك فقد قضينا عهدة الآية. ولما ثبت بما قدمنا من التوقيف والاتفاق على تحريك بيع ألف بألف ومائة كما بطل بيع ألف بألف إلى أجل، فجرى الأجل المشروط مجرى النقصان في المال، وكان بمنزلة بيع ألف بألف ومائة، وجب أن لا يصح الأجل في القرض كما لا يجوز قرض ألف بألف ومائة، إذ كان نقصان الأجل كنقصان الوزن، وكان الربا تارة من جهة نقصان الوزن وتارة من جهة نقصان الأجل، وجب أن يكون القرض كذلك.
فإن قال قائل: ليس القرض في ذلك كالبيع، لأنه يجوز له مفارقته في القرض قبل قبض البدل ولا يجوز مثله في بيع ألف بألف. قيل له: إنما يكون الأجل نقصانا إذا كان مشروطا، فأما إذا لم يكن مشروطا فإن ترك القبض لا يوجب نقصا في أحد المالين، وإنما بطل البيع لمعنى آخر غير نقصان أحدهما عن الآخر، ألا ترى أنه لا يختلف الصنفان والصنف الواحد في وجوب التقايض في المجلس - أعني الذهب بالفضة - مع جواز التفاضل فيهما؟ فعلمنا أن الموجب لقبضهما ليس من جهة أن ترك القبض موجب