يستحقه من التعزير والردع، وكذلك ينبغي أن يكون حكم سائر المعاصي التي أوعد الله عليها العقاب إذا أصر الانسان عليها وجاهر بها، وإن كان ممتنعا حورب عليها هو ومتبعوه وقوتلوا حتى ينتهوا، وإن كانوا غير ممتنعين عاقبهم الإمام بمقدار ما يرى من العقوبة. وكذلك حكم من يأخذ أموال الناس من المتسلطين الظلمة وآخذي الضرائب، واجب على كل المسلمين قتالهم وقتلهم إذا كانوا ممتنعين، وهؤلاء أعظم جرما من آكلي الربا لانتهاكهم حرمة النهي وحرمة المسلمين جميعا. وآكل الربا إنما انتهك حرمة الله تعالى في أخذ الربا ولم ينتهك لمن يعطيه ذلك حرمة، لأنه أعطاه بطيبة نفسه. وآخذوا الضرائب في معنى قطاع الطريق المنتهكين لحرمة نهي الله تعالى وحرمة المسلمين، إذ كانوا يأخذونه جبرا وقهرا لا على تأويل ولا شبهة، فجائز لمن علم من المسلمين إصرار هؤلاء على ما هم عليه من أخذ أموال الناس على وجه الضريبة أن يقتلهم كيف أمكنه قتلهم، وكذلك أتباعهم وأعوانهم الذين بهم يقومون على أخذ الأموال، وقد كان أبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة لموافقة من الصحابة إياه على شيئين: أحدهما الكفر، والآخر: منع الزكاة، وذلك لأنهم امتنعوا من قبول فرض الزكاة ومن أدائها، فانتظموا به معنيين: أحدهما الامتناع من قبول أمر الله تعالى وذلك كفر، والآخر: الامتناع من أداء الصدقات المفروضة في أموالهم إلى الإمام فكان قتاله إياهم للأمرين جميعا، ولذلك قال: (لو منعوني عقالا) وفي بعض الأخبار: (عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه). فإنما قلنا إنهم كانوا كفارا ممتنعين من قبول فرض الزكاة، لأن الصحابة سموهم أهل الردة، وهذه السمة لازمة لهم إلى يومنا هذا، وكانوا سبوا نساءهم وذراريهم، ولو لم يكونوا مرتدين لما سار فيهم هذه السيرة، وذلك شئ لم يختلف فيه الصدر الأول ولا من بعدهم من المسلمين، أعني في أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر كانوا أهل الردة. فالمقيم على أكل الربا إن كان مستحلا له فهو كافر، وإن كان ممتنعا بجماعة تعضده سار فيهم الإمام بسيرته في أهل الردة إن كانوا قبل ذلك من جملة أهل الملة، وإن اعترفوا بتحريمه وفعلوه غر مستحلين له قاتلهم الإمام إن كانوا ممتنعين حتى يتوبوا، وإن لم يكونوا ممتنعين ردعهم عن ذلك بالضرب والحبس حتى ينتهوا.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران وكانوا ذمة نصارى: (إما أن تذروا الربا وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله). وروى أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثني أيوب الدمشقي قال: حدثني سعدان بن يحيى، عن عبد الله بن أبي حميد، عن أبي مليح الهذلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل نجران، فكتب كتابا في آخره: (على أن لا تأكلوا الربا، فمن أكل الربا فذمتي منه بريئة). فقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب