ثبت بذلك أن ما رواه أبو هريرة كان قبل إسلامه، لأن إسلامه كان عام خيبر، فثبت أن أبا هريرة لم يشهد تلك القصة وإن حدث بها، كما قال البراء: (ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه، ولكنا سمعنا وحدثنا أصحابنا). وروى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال: (والله ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يحدث بعضنا بعضا ولا يتهم بعضنا بعضا). وقد روى ابن جريج قال: أخبرني عمرو عن يحيى بن جعدة، أنه أخبره عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع أبا هريرة يقول: (لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح وهو جنب فليفطر ولكن محمد قاله ورب هذا البيت) ثم لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم يومه ذلك قال: (لا علم لي بهذا إنما أخبرني به الفضل بن العباس). فليس في روايته بحديث ذي اليدين ما يدل على مشاهدته.
فإن قيل: فقد روي في بعض أخباره أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم). قيل له:
يحتمل أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو منهم، كما روى مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف فأنتم اليوم بنو عبد الله ونحن بنو عبد الله) إنما يعني أنه قال ذلك لقومه.
فإن قيل: لو كان حظر الكلام في الصلاة متقدما لبدر لما شهده زيد بن أرقم، لأنه كان صغير السن وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة حين خرج إلى مؤتة، ومثله لا يدرك قصة كانت قبل بدر. قيل له: إن كان زيد بن أرقم قد شهد إباحة الكلام في الصلاة فإنه جائز أن يكون قد أبيح بعد الحظر ثم حظر، فكان آخر أمره الحظر. وجائز أن يكون أبو هريرة أيضا قد شهد إباحة الكلام في الصلاة بعد حظره ثم حظر بعد ذلك، إلا أن أخباره عن قصة ذي اليدين لا محالة لم يكن عن مشاهدة، لأنه أسلم بعدها. وجائز أن يكون زيد بن أرقم أخبر عن حال المسلمين في كلامهم في الصلاة إلى نزول قوله تعالى:
(وقوموا لله قانتين) ويكون معنى قوله (كنا نتكلم في الصلاة) إخبارا عن المسلمين وهو منهم، كما قال النزال بن سبرة: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكما قال الحسن: (خطبنا ابن عباس بالبصرة) وهو لم يكن بها يومئذ، إنما طرأ عليها بعده.
ومما يدل على أن قصة ذي اليدين كانت في حال إباحة الكلام أن فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم استند إلى جذع سنة في المسجد وأن سرعان الناس خرجوا فقالوا: (أقصرت الصلاة؟ وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على القوم فسألهم، فقالوا: صدق! وبعض هذا الكلام كان عمدا وبعضه كان لغير إصلاح الصلاة، فدل على أنها كانت في حال إباحة الكلام. وجملة الأمر في