إنما نعمة قوم متعة * وحياة المرء ثوب مستعار فالمتعة والمتاع اسم يقع على جميع ما ينتفع به، ونحن فمتى أوجبنا للمطلقات شيئا مما ينفع به من مهر أو نفقة فقد قضينا عهدة الآية، فمتعة التي لم يدخل بها نصف المهر المسمى والتي لم يسم لها على قدر حال الرجل والمرأة، وللمدخول بها تارة المسمى وتارة المثل إذا لم يكن مسمى، وذلك كله متعة، وليس بواجب إذا أوجبنا لها ضربا من المتعة أن توجب لها سائر ضروبها، لأن قوله تعالى: (وللمطلقات متاع) إنما يقتضي أدنى ما يقع عليه الاسم.
فإن قيل: قوله تعالى: (وللمطلقات متاع) يقتضي إيجابه بالطلاق ولا يقع على ما استحقته قبله من المهر. قيل له: ليس كذلك، لأنه جائز أن تقول (وللمطلقات المهور التي كانت واجبة لهن قبل الطلاق) فليس في ذكر وجوبه بعد الطلاق ما ينفي وجوبه قبله، إذ لو كان كذلك لما جاز ذكر وجوبه في الحالين مع ذكر الطلاق، فيكون فائدة وجوبه بعد الطلاق إعلامنا أن مع الطلاق يجب المتاع، إذ كان جائزا أن يظن ظان أن الطلاق يسقط ما وجب، فأبان عن إيجابه بعده كهو قبله، وأيضا إن كان المراد متاعا وجب بالطلاق فهو على ثلاثة أنحاء: إما نفقة العدة للمدخول بها، أو المتعة، أو نصف المسمى لغير المدخول بها. وذلك متعلق بالطلاق، لأن النفقة تسمى متاعا على ما بينا كما قال تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج) فسمى النفقة والسكنى الواجبتين لها متاعا. ومما يدل على أن المتعة غير واجبة مع المهر اتفاق الجميع على أنه ليس لها المطالبة بها قبل الطلاق، فلو كانت المتعة تجب مع المهر بعد الطلاق لوجبت قبل الطلاق، إذ كانت بدلا من البضع وليست بدلا من الطلاق، فكان يكون حكمها حكم المهر، وفي ذلك دليل على امتناع وجوب المتعة والمهر.
فإن قيل: فأنتم توجبونها بعد الطلاق لمن لم يسم لها ولم يدخل بها ولا توجبونها قبله، ولم يكن انتفاء وجوبها قبل الطلاق دليلا على انتفاء وجوبها بعده، وكذلك قلنا في المدخول بها. قيل له: إن المتعة بعض مهر المثل، إذ قام مقام بعضه، وقد كانت المطالبة لها واجبة بالمهر قبل الطلاق، فلذلك صحت ببعضه بعده، وأنت فلست تجعل المتعة بعض المهر، فلم يخل إيجابها من أن تكون بدلا من البضع أو من الطلاق، فإن كانت بدلا من البضع مع مهر المثل فواجب أن تستحقها قبل الطلاق، وإن لم تكن بدلا من البضع استحال وجوبها عن الطلاق في حال حصول البضع لها. والله تعالى أعلم.