عوف طلق امرأته تماضر تطليقتين، ثم قال لها في مرضه: إن أخبرتني بطهرك لأطلقنك، فبين في هذا الحديث أنه لم يطلقها ثلاثا مجتمعة. وقد روي في حديث فاطمة بنت قيس شبيها بهذا، وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن فاطمة بنت قيس حدثته: أن أبا حفص بن المغيرة طلقها، وأن خالد بن الوليد ونفر من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثا وإنه ترك لها نفقة يسيرة! فقال: (لا نفقة لها) وساق الحديث.
فيقول المحتج لإباحة إيقاع الثلاث معا بأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه طلقها ثلاثا، فلم ينكره. وهذا خبر قد أجمل فيه ما فسر في غيره، وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا يزيد بن خالد الرملي قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس، أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث. قال أبو داود: وكذلك رواه صالح بن كيسان وابن جريج وشعيب بن أبي حمزة كلهم عن الزهري. فبين في هذا الحديث ما أجمل في الحديث الذي قبله أنه إنما طلقها آخر ثلاث تطليقات، وهو أولى لما فيه من الإخبار عن حقيقة الأمر، والأول فيه ذكر الثلاث ولم يذكر إيقاعهن معا، فهو محمول على أنه فرقهن على ما ذكر في هذا الحديث الذي قبله. فثبت بما ذكرنا من دلائل الكتاب والسنة واتفاق السلف أن جمع الثلاث محظور.
فإن قيل فيما قدمناه من دلالة قوله تعالى: (الطلاق مرتان) على حظر جمع الاثنتين في كلمة واحدة: أنه من حيث دل على ما ذكرت فهو دليل على أن له أن يطلقها في طهر واحد مرتين، إذ ليس في الآية تفريقهما في طهرين وفيه إباحة تطليقتين في مرتين، وذلك يقتضي إباحة تفريق الاثنتين في طهر واحد، وإذا جاز ذلك في طهر واحد جاز جمعهما بلفظ واحد إذ لم يفرق أحد بينهما. قيل له: هذا غلط من قبل أن ذلك اعتبار يؤدي إلى اسقاط حكم اللفظ ورفعه رأسا وإزالة فائدته، وكل قول يؤدي إلى رفع حكم اللفظ فهو ساقط، وإنما صار مسقطا لفائدة اللفظ وإزالة حكمه من قبل أن قوله تعالى: (الطلاق مرتان) قد اقتضى تفريق الاثنتين وحظر جمعهما في لفظ واحد على ما قدمنا من بيانه، وإباحتك لتفريقهما يكون في طهر واحد يؤدي إلى إباحة جمعهما في كلمة واحدة، وفي ذلك رفع حكم اللفظ، ومتى حضرنا تفريقهما وجمعهما في طهر واحد وأبحناه مع في طهرين، فليس فيه وقع حكم اللفظ، بل فيه استعماله على الخصوص في بعض المواضع دون بعض،