النساء ومشاربتهن ومجالستهن عنه في حال الحيض، فأرادوا أن يعلموا حكمه في الاسلام، فأجابهم الله بقوله هذا: (هو أذى) يعني أنه نجس وقذر. ووصفه له بذلك قد أفاد لزوم اجتنابه، لأنهم كانوا عالمين قبل ذلك بلزوم اجتناب النجاسات، فأطلق فيه لفظا علقوا منه الأمر بتجنبه. ويدل على أن الأذى اسم يقع على النجاسات قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب نعل أحدكم أذى فليمسحها إن بالأرض وليصل فيها فإنه لها طهور) فسمى النجاسة أذى، وأيضا لما كان معلوما أنه لم يرد بقوله: (قل هو أذى) الإخبار عن حاله في تأذي الانسان به لأن ذلك لا فائدة فيه، علمنا أنه أراد الأخبار بنجاسته ولزوم اجتنابه، وليس كل أذى نجاسة، قال الله تعالى: (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر) [النساء:
102] والمطر ليس بنجس، وقال: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) [آل عمران: 186] وإنما كان الأذى المذكور في الآية عبارة عن النجاسة ومفيدا لكونه قذرا يجب اجتنابه، لدلالة الخطاب عليه ومقتضى سؤال السائلين عنه.
وقد اختلف الفقهاء فيما يلزم اجتنابه من الحائض بعد اتفاقهم على أن له أن يستمتع منها بما فوق المئزر، وورد به التوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، روته عائشة وميمونة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر نساءه وهن حيض فوق الإزار). واتفقوا أيضا أن عليه اجتناب الفرج منها، واختلفوا في الاستمتاع منها بما تحت الإزار بعد أن يجتنب شعائر الدم، فروى عن عائشة وأم سلمة: (أن له أن يطأها فيما دون الفرج) وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن، وقالا: (يجتنب موضع الدم) وروي مثله عن الحسن والشعبي وسعيد بن المسيب والضحاك. وروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس: (أن له منها ما فوق الإزار) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف والأوزاعي ومالك والشافعي.
قال أبو بكر: قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) قد انتظم الدلالة من وجهين على حظر ما تحت الإزار، أحدهما: قوله:
(فاعتزلوا النساء في المحيض) ظاهره يقتضي لزوم اجتنابها فيما تحت المئزر إلا وفوقه، فلما اتفقوا على إباحة الاستمتاع منها بما فوقه سلمناه للدلالة، وحكم الحظر قائم فيما دونه، إذ لم تقم الدلالة عليه. والوجه الآخر قوله: (ولا تقربوهن) وذلك في حكم اللفظ الأول في الدلالة على مثل ما دل عليه، فلا يخص منه عند الاختلاف إلا ما قامت الدلالة عليه. ويدل عليه أيضا من جهة السنة حديث يزيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عمير مولى عمر بن الخطاب: أن نفرا من أهل العراق سألوا عمر عما يحل لزوج