وقوله: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) غير موجب لتحريم الكتابيات من وجهين، أحدهما: أن ظاهر لفظ المشركات إنما يتناول عبدة الأوثان منهم عند الإطلاق ولا يدخل فيه الكتابيات إلا بدلالة، ألا ترى إلى قوله: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) [البقرة: 105] وقال: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) [البينة: 1] ففرق بينهم في اللفظ، وظاهره يقتضي أن المعطوف غير المعطوف عليه إلا أن تقوم الدلالة على شمول الاسم للجميع، وأنه أفرد بالذكر لضرب من التعظيم أو التأكيد كقوله تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) [البقرة: 98] فأفردهما بالذكر تعظيما لشأنهما مع كونهما من جملة الملائكة. إلا أن الأظهر أن المعطوف غير المعطوف عليه إلا أن تقوم الدلالة على أنه من جنسه، فاقتضى عطفه أهل الكتاب على المشركين أن يكونوا غيرهم، وأن يكون التحريم مقصورا على عبدة الأوثان من المشركين. والوجه الآخر: أنه لو كان عموما في الجميع، لوجب أن يكون مرتبا على قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] وأن لا تنسخ إحداهما بالأخرى ما أمكن استعمالهما.
فإن قيل: قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] إنما أراد به اللاتي أسلمن من أهل الكتاب، كقوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم) [آل عمران: 199]: (وإن من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) [آل عمران: 113] قيل له: هذا خلف من القول دال على غباوة قائله والمحتج به، وذلك من وجهين، أحدهما: أن هذا الاسم إذا أطلق فإنما يتناول الكفار منهم، كقوله (من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد) [التوبة:
29] وقوله: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) [آل عمران: 75] وما جرى مجرى ذلك من الألفاظ المطلقة، فإنما يتناول اليهود والنصارى، ولا يعقل به من كان من أهل الكتاب فأسلم إلا بتقييد ذكر الإيمان، ألا ترى أن الله تعالى لما أراد به من أسلم منهم ذكر الاسلام مع ذكره أنهم من أهل الكتاب فقال: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) [آل عمران: 113] (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم) [آل عمران: 199]. والوجه الآخر: أنه ذكر في الآية المؤمنات، وقد انتظم ذكر المؤمنات اللاتي كن من أهل الكتاب فأسلمن ومن كن مؤمنات في الأصل، لأنه قال:
(والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة:
5] فكيف يجوز أن يكون مراده بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من المؤمنات المبدوء بذكرهن! وربما احتج بعض القائلين بهذه المقالة بما روي عن علي بن أبي طلحة