قوله تعالى: (وهو ألد الخصام) هو وصف له بالمبالغة في شدة الخصومة والقتل للخصم بها عن حقه وإحالته إلى جانبه، ويقال (لده عن كذا) إذا حبسه؟ وعلى هذا المعنى قال النبي عليه السلام: (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض،، وإنما أقضي بما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فإنما أقطع له قطعة من النار)، فكان معنى قوله: (وهو ألد الخصام) أنه أشد المخاصمين خصومة.
وقوله: (والله لا يحب الفساد) نص على بطلان مذهب أهل الإجبار، لأن مالا يحبه الله فهو لا يريده، وما يريده فهو لا يحبه، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يحب الفساد، وهذا يوجب أن لا يفعل الفساد، لأنه لو فعله لكان مريدا له ومحبا له، وهو مثل قوله: (وما الله يريد ظلما للعباد) [غافر: 31] فنفى عن نفسه فعل الظلم، لأنه لو فعله لكان مريدا له، لاستحالة أن يفعل مالا يريد. ويدل على أن محبته لكون الفعل هي إرادته له، أنه غير جائز أن يجب كونه ولا يريد أن يكون، بل يكره أن يكون، وهذا هو التناقض، كما لو قال (يريد الفعل ويكرهه) لكان مناقضا مختلا في كلامه، ويدل عليه قوله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) [النور: 19] والمعنى (إن الذين يريدون) فدل على أن المحبة هي الإرادة، وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال: (إن الله أحب لكم ثلاثا وكره لكم ثلاثا: أحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، وكره لكم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)، فجعل الكراهة في مقابلة المحبة، فدل أن ما أراده فقد أحبه، كما أن ما كرهه فلم يرده، إذ كانت الكراهة في مقابلة الإرادة كما هي في مقابلة المحبة، فلما كانت الكراهة نقيضا لكل واحدة من الإرادة والمحبة دل على أنهما سواء.
قوله تعالى: (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) فإن العزيز هو المنيع القادر على أن يمنع ولا يمنع، لأن أصل العزة الامتناع، ومنه يقال: أرض عزاز، إذا كانت ممتنعة بالشدة والصعوبة، وأما الحكيم فإنه يطلق في صفة الله تعالى على معنيين: أحدهما العالم، إذا أريد به ذلك جاز أن يقال: (لم يزل حكيما) والمعنى الآخر: من الفعل المتقن المحكم، وإذا أريد به ذلك لم يجز أن يقال: (لم يزل حكيما) كما لا يجوز أن يقال (لم يزل فاعلا) فوصفه لنفسه بأنه حكيم يدل على أنه لا يفعل الظلم والسفه والقبائح ولا يريدها، لأن من كان كذلك فليس بحكيم عند جميع أهل العقل، وفيه دليل على بطلان قول أهل الجبر.
وقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة هذا من المتشابه الذي أمرنا الله برده إلى المحكم في قوله الذي أنزل عليك الكتاب منه