الفجر ولم يأمر النبي عليه السلام ضعفة أهله بالوقوف حين عجلهم منها ليلا، ولو كان ذلك وقت الوقوف لأمرهم به ولم يرخص لهم في تركه مع إمكانه من غير عذر، وما روي عن ابن عمر فإنما هو من فعله ليس عن النبي عليه السلام، ولم يقل ابن عمر أيضا أن هذا وقت الوقوف، وإنما كان ذلك على وجه الاستحباب للذكر قبل الرجوع إلى منى. ويدل على أن وقت الوقوف بعد طلوع الفجر أنا وجدنا سائر أفعال المناسك إنما وقتها بالنهار، والليل يدخل فيه على وجه التبع على ما بينا.
واحتج من جعل الوقوف بها فرضا بظاهر قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) فظاهره يقتضي الوجوب. ويحتجون أيضا بحديث مطرف بن طريف، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس، عن النبي عليه السلام قال: (من أدرك جمعا والإمام واقف فوقف مع الإمام ثم أفاض مع الناس فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك فلا حج له)، وبما روى يعلى بن عبيد قال: حدثنا سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات، فأقبل ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج، فقال: (الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل الصبح فقد أدرك الحج).
فأما قوله: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) فلا دلالة فيه على ما ذكروا، وذلك لأنه أمر بالذكر، وقد اتفق الجميع على أن الذكر هناك غير مفروض، فإن تركه لا يوجب نقصا في الحج، وليس للوقوف ذكر في الآية، فسقط الاحتجاج به، ومع ذلك فقد بينا أن المراد بهذا الذكر هو فعل صلاة المغرب هناك. وأما حديث مطرف بن طريف عن الشعبي، فإنه قد رواه خمسة من الرواة غير مطرف، منهم زكريا بن أبي زائدة وعبد الله بن أبي السفر وسيار وغيرهم، عن الشعبي عن عروة عن النبي عليه السلام، ذكروا فيه أنه عليه السلام قال: (من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وأفاض قبل ذلك من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر منهم أحد أنه قال فلا حج له.
ومع ذلك فقد اتفقوا أن ترك الصلاة هناك لا يفسد الحج، وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الوقوف.
وقوله: (فلا حج له) يحتمل أن يريد به نفي الفضل لا نفي الأصل، كما قال عليه السلام: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وكما روى عمر (من قدم نفله فلا حج له). وأما حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد روى هذا الحديث محمد بن كثير عن سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: (من وقف قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه) فعلمنا أن المراد بذلك