أيام التشريق. وذكر الطحاوي عن شيخه أحمد بن أبي عمران، عن بشر بن الوليد قال:
كتب أبو العباس الطوسي إلى أبي يوسف يسأله عن الأيام المعلومات، فأملى علي أبي يوسف جواب كتابه، اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروي عن علي وابن عمر أنها أيام النحر، وإلى ذلك أذهب، لأنه قال: (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج:
28 و 34]، وذكر شيخنا أبو الحسن الكرخي، عن أحمد القاري، عن محمد، عن أبي حنيفة، أن المعلومات العشر، وعن محمد: أنها أيام النحر الثلاثة يوم الأضحى ويومان بعده.
قال أبو بكر: فحصل من رواية أحمد القاري عن محمد، ورواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف، أن المعلومات يوم النحر ويومان بعده، ولم تختلف عن أبي حنيفة أن المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق، وهو قول ابن عباس المشهور. وقوله تعالى: (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج: 28 و 34] لا دلالة فيه على أن المراد أيام النحر، لاحتماله أن يريد: لما رزقهم من بهيمة الأنعام، كقوله: (ولتكبروا الله على ما هداكم) [البقرة: 185] والمعنى: لما هداكم. وأيضا يحتمل أن يريد بها أيام العشر، لأن فيها يوم النحر، وفيه الذبح، ويكون بتكرار السنين عليه أياما. وذكر أهل اللغة أن المعدودات منفصلة عن المعلومات بدلالة اللفظ على افتراقهما في باب العدد، وذلك لأن وصفها بالمعدودات دلالة التقليل، كقوله تعالى: (بخس دراهم معدودة) [يوسف: 20] وإنما يوصف بالعدد إذا أريد به التقليل، لأنه يكون نقيض كثرة، فهو كقولك: قليل وكثير، فعرفت المعدودات بالتقليل، وقيل للأخرى (معلومات) فعرفت بالشهرة، لأنها عشرة، ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها إذا رمى الجمار وينفر، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر. واختلف فيمن لم ينفر حتى غابت الشمس من اليوم الثاني، فروي عن عمر وابن عمر وجابر بن زيد والحسن وإبراهيم: (أنه إذا غابت الشمس من اليوم الثاني قبل أن ينفر فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد). وروي عن الحسن البصري: (أن له أن ينفر في اليوم الثاني إذا رمى وقت الظهر كله، فإن أدركته صلاة العصر بمنى فليس له أن ينفر إلى اليوم الثالث). وقال أصحابنا: (إنه إذا لم ينفر حتى غابت الشمس فلا ينبغي له أن ينفر حتى يرمي جمرة اليوم الثالث، ولا يلزمه ذلك إلا أن يصبح بمنى فحينئذ يلزمه رمي اليوم الثالث ولا يجوز تركه). ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أن من أقام بمنى إلى اليوم الثالث أنه لا يجوز له النفر حتى يرمي، وإنما قالوا:
إنه لا يلزمه رمي اليوم الثالث بإقامته بمنى إلى أن يمسي، من قبل أن الليلة التي تلي اليوم