السبب. قيل له: لو لزمنا ذلك على قولنا في جوازه بعد إحرام العمرة للزمك مثله في إجازتك له بعد إحرام الحج، لأنك تجيز صوم الثلاثة الأيام بعد إحرام الحج ولا تجيز السبعة.
فإن قيل: فإذا كان الصيام بدلا من الهدي والهدي لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر فكيف جاز الصوم؟ قيل له: لا خلاف في جواز الصوم قبل يوم النحر، وقد ثبت بالسنة امتناع جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر، وأحدهما ثابت بالاتفاق وبدليل قوله: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) والآخر ثابت بالسنة، فالاعتراض عليهما بالنظر ساقط، وأيضا فإن الصوم يقع مراعى منتظر به شيئان: أحدهما إتمام العمرة والحج في أشهر الحج، والثاني: أن لا يجد الهدي حتى يحل؟ فإذا وجد المعنيان صح الصوم عن المتعة، وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون صوم المتعة وصار تطوعا. وأما الهدي فقد رتب عليه أفعال أخر من حلق وقضاء التفث وطواف الزيارة، فلذلك اختص بيوم النحر.
فإن قيل: قال الله: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) فلا يجوز تقديمه على الحج. قيل له: لا يخلو قوله: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) من أحد معان: إما أن يريد به في الأفعال التي هي عمدة للحج، وما سماه النبي صلى الله عليه وسلم حجا وهو الوقوف بعرفة، لأنه قال: (الحج عرفة). أو أن يريد في إحرام الحج أو في أشهر الحج، لأن الله تعالى قال: (الحج أشهر معلومات) وغير جائز أن يكون المراد فعل الحج الذي لا يصح إلا به، لأن ذلك إنما هو يوم عرفة بعد الزوال ويستحيل صوم الثلاثة الأيام فيه، ومع ذلك فلا خلاف في جوازه قبل يوم عرفة، فبطل هذا الوجه وبقي من وجوه الاحتمال في إحرام الحج أو في أشهر الحج، وظاهره يقتضي جواز فعله بوجود أيهما كان لمطابقته اللفظ في الآية. وأيضا قوله: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) معلوم أن جوازه معلق بوجود سببه لا بوجوبه، فإذا ان هذا المعنى موجودا عند إحرامه بالعمرة وجب أن يجزئ ولا يكون ذلك خلاف الآية، كما أن قوله: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) [النساء:
92] لا يمنع جواز تقديمها على القتل لوجود الجراحة، وكذلك قوله: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) لم يمنع جواز تعجيلها لوجود سببها وهو النصاب، فكذلك قوله: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) غير مانع جواز تعجيله لأجل وجود سببه الذي به جاز فعله في الحج.
فإن قيل: لم نجد بدلا يجوز تقديمه على وقت المبدل عنه، ولما كان الصوم بدلا من الهدي لم يجز تقديمه عليه. قيل له: هذا اعتراض على الآية، لأن نص التنزيل قد أجاز ذلك في الحج قبل يوم النحر، وأيضا فإنا لم نجد ذلك فيما تقدم البدل كله على