لكان خبر الزائد أولى، وإذا ثبت بما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) فأولى الأمور وأفضلها الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعله، لا سيما وقد قال لهم: (خذوا عني مناسككم) وقال الله تعالى: (واتبعوه) [الأعراف: 158] وقال:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21] ولأنه عليه السلام لا يختار من الأعمال إلا أفضلها. وفي ذلك دليل على أن القران أفضل من التمتع ومن الإفراد.
ويدل عليه أن فيه زيادة نسك وهو الدم، لأن دم القران عندنا دم نسك وقربة يؤكل منه كالأضحية، بدلالة قوله: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحج: 29] وليس شئ من الدماء ترتب عليه هذه الإفعال إلا دم القران والتمتع. ويدل عليه قوله: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) وقد بينا أن التمتع يجوز أن يكون اسما للحج للنفع الذي يحصل له بجمعه بينهما والفضيلة التي يستحقها به، ويجوز أن يكون اسما للارتفاق بالجمع من غير إحداث سفر آخر، وهو عليهما جميعا، فجائز أن يكون المعنيان جميعا مرادين بالآية، فينتظم القارن والمتمتع من وجهين: أحدهما الفضيلة الحاصلة بالجمع، والثاني: الارتفاق بالجمع من غير إحداث سفر ثان.
وهذه المتعة مخصوص بها من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، لقوله:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) ومن كان وطنه المواقيت فما دونها إلى مكة فليس له متعة ولا قران - وهو قول أصحابنا - فإن قرن أو تمتع فهو مخطئ وعليه دم ولا يأكل منه، لأنه ليس بدم متعة وإنما هو دم جناية، إذ لا متعة لمن كان من أهل هذه المواضع لقوله: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). وقد روي عن ابن عمر أنه قال: (إنما التمتع رخصة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).
وقال بعضهم: إنما معنى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام لا دم عليهم إذا تمتعوا، ومع ذلك فلهم أن يتمتعوا بلا هدي. فظاهر الآية يوجب خلاف ما قالوه، لأنه تعالى قال: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) والمراد المتعة، ولو كان المراد الهدي لقال: (ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). فإن قيل:
يجوز أن يكون معنى ذلك: على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، لأن (اللام) قد تقام مقام (على) كما قال تعالى: (ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) [الرعد: 25] ومعناه: وعليهم اللعنة. قيل له: لا يجوز إزالة اللفظ عن حقيقته وصرفه إلى المجاز إلا بدلالة، ولكل واحدة من هذه الأدوات معنى هي موضوعة له حقيقة ف (على) حقيقتها خلاف حقيقة (اللام) فغير جائز حملها عليها إلا بدلالة، وأيضا فإن التمتع لأهل سائر