البيت وكان ذلك موجودا في المرض، وجب أن يكون بمنزلته وفي حكمه. ألا ترى أنه متى لم يتعذر وصوله إلى البيت بمنع العدو لم يجز له أن يحل؟ فدل ذلك على أن المعنى فيه تعذر وصوله إلى البيت. ويدل على ذلك موافقة مخالفينا إيانا على أن المرأة إذا منعها زوجها من حجة التطوع بعد الإحرام، جاز لها الإحلال وكانت بمنزلة المحصر مع عدم العدو، وكذلك من حبس في دين أو غيره فتعذر عليه الوصول إلى البيت كان في حكم المحصر، فكذلك المريض. ويدل عليه أن سائر الفروض لا يختلف حكمها في كون المنع منها بالعدو أو المرض، ألا ترى أن الخائف جائز له فعل الصلاة بالإيماء أو قاعدا إذا تعذر عليه فعلها قائما كما يجوز ذلك للمريض؟ فكذلك المضي في الإحرام واجب أن لا يختلف حكمه عند تعذر الوصول إلى البيت لمرض كان ذلك أو لخوف عدو، وكذلك هذا في استقبال القبلة إذا كان خائفا أو مريضا، وكذلك من عدم الماء أو كان مريضا، ومن لا يجد ما يحتمل به للجهاد، ومن كان مريضا، لم يختلف حكم الأعذار في سقوط الفرض كذلك ينبغي أن لا يختلف حكمها في باب سقوط فرض المضي على الإحرام وجواز الإحلال منه، والمعنى في الجميع تعذر الفعل.
فإن قيل: لما قال تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ثم عقب ذلك بقوله: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة) دل ذلك من وجهين على أن المريض غير مراد بذكر الإحصار، لأنه لو كان كذلك لما استأنف له ذكرا مع كونه في أول الخطاب، والوجه الآخر أنه لو كان مرادا به لكان يحل بذلك الدم ولم يكن يحتاج إلى فدية. قيل له: لما قال الله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقال الإحلال مع وجود الإحصار إلى وقت بلوغ الهدي محله وهو ذبحه في الحرم، فأبان عن حكم المريض قبل بلوغ الهدي محله، وأباح له حلق الرأس مع إيجاب الفدية. ووجه آخر: وهو أنه ليس كل مرض يمنع الوصول إلى البيت، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: (أتؤذيك هوام رأسك؟) قال: نعم! فأنزل الله الآية، ولم تكن هوام رأسه مانعته من الوصول إلى البيت، فرخص الله له في الحلق وأمره بالفدية، وكذلك المرض المذكور في الآية جائز أن يكون المرض الذي ليس معه إحصار، والله سبحانه إنما جعل المرض إحصارا إذا منع الوصول إلى البيت، فليس في ذكره حكم المريض بما وصف ما يمنع كون المرض إحصارا. ووجه آخر: وهو قوله: (فمن كان منكم مريضا) يجوز أن يكون عائدا إلى أول الخطاب، كما عاد إليه حكم الإحصار وهو قوله: (وأتموا الحج والعمرة لله) ثم عطف عليه قوله: (فإن أحصرتم) فبين حكمهم إذا أحصروا، ثم عقبه بقوله: (فمن كان منكم مريضا) يعني: أيها المحرمون بالحج