فإذا لم تقبل شهادته واعتبرت الاستظهار برجلين فلست تأمن أن تكون صائما يوم الفطر وفيه مواقعة المحظور وضد الاحتياط. قيل له: إنما حظر علينا الصوم فيه إذا علمنا أنه يوم الفطر، فأما إذا لم يثبت عندنا أنه يوم الفطر فالصيام فيه غير محظور، فإذا لم يثبت يوم الفطر ووقفنا بين فعل الصوم وتركه كان فعله أحوط من تركه لما بينا حتى يثبت أنه يوم الفطر بشهادة من يقطع الحقوق بشهادته.
وقوله عز وجل: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) يدل على النهي عن صيام يوم الشك من رمضان، لأن الشاك غير شاهد للشهر، إذ هو غير عالم به، فغير جائز له أن يصومه عن رمضان. ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا شعبان ثلاثين) فحكم لليوم الذي غم علينا هلاله بأنه من شعبان، وغير جائز أن يصام شعبان عن رمضان مستقبل. ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا الفضل بن مخلد المؤدب قال: حدثنا محمد بن ناصح قال: حدثنا بقية عن علي القرشي قال: أخبرني محمد بن عجلان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال:
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الدأدأة، وهو اليوم الذي يشك فيه لا يدري من شعبان هو أم من رمضان). حدثنا محمد بن بكر: قال حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن صلة قال: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتى بشاة، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم). وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، ولا تقدموا بين يديه بصيام يوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم).
ومعاني هذه الآثار موافقة لدلالة قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا يرى أصحابنا بأسا بأن يصومه تطوعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بأنه من شعبان فقد أباح صومه تطوعا.
وقد اختلف في الهلال يرى نهارا، فقال أبو حنيفة ومحمد ومالك والشافعي: (إذا رأى الهلال نهارا فهو لليلة المستقبلة ولا فرق عندهم بين رؤيته قبل الزوال وبعده).
وروي مثله عن علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وأنس بن مالك وأبي وائل وسعيد بن المسيب وعطاء وجابر بن زيد. وروي عن عمر بن الخطاب فيه روايتان، إحداهما: أنه إذا رأى الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رآه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة، وبه أخذ أبو يوسف والثوري. وروى سفيان الثوري