الشهر وقد دل قوله: (يسألونك عن الأهلة) على أن الليلة التي يرى فيها الهلال من الشهر المستقبل دون الماضي.
وقد اختلف في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم فأقدروا له) فقال قائلون:
(أراد به اعتبار منازل القمر، فإن كان في موضع القمر، لو لم يحل دونه سحاب وقترة ورؤي يحكم له بحكم الرؤية في الصوم والإفطار، وإن كان على غير ذلك لم يحكم له بحكم الرؤية). وقال آخرون: (فعدوا شعبان ثلاثين يوما) أما التأويل الأول فساقط الاعتبار لا محالة لإيجابه الرجوع إلى قول المنجمين ومن تعاطي معرفة منازل القمر ومواضعه، وهو خلاف قول الله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) فعلق الحكم فيه برؤية الأهلة، ولما كانت هذه عبادة تلزم الكافة لم يجز أن يكون الحكم فيه متعلقا بما لا يعرفه إلا خواص من الناس ممن عسى لا يسكن إلى قولهم، والتأويل الثاني هو الصحيح، وهو قول عامة الفقهاء وابن عمر راوي الخبر، وقد ذكر عنه في الحديث أنه لم يكن يأخذ بهذا الحساب.
وقد بين في حديث آخر معنى قوله (فأقدروا له) بنص لا تأويل فيه، وهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب قال: حدثنا شريح بن النعمان قال: حدثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده شهر رمضان فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، فإن غم عليكم فأقدروا ثلاثين) فأوضح هذا الخبر معنى قوله (فأقدروا) بما سقط به تأول المتأولين ويدل على بطلان تأويلهم أيضا ما رواه حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبين منظره سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين) فأمر صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثين مع جواز الرؤية لو لم يحل بيننا وبينه سحاب أو قترة، ولم يوجب الرجوع إلى قول من يقول لو لم يحل بيننا وبينه حائل من سحاب أو غيره لرأيناه. وقد روي في ذلك أيضا ما هو أوضح من هذا، وهو ما حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا يونس بن حبيب قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(صوموا رمضان لرؤيته فإن حال بينكم غمامة أو ضبابة فأكملوا عدة شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان) فأوجب عد شعبان ثلاثين عند حدوث الحائل بيننا وبين رؤيته من سحاب أو نحوه، فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة. وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه، لدلالة الكتاب ونص السنة وإجماع الفقهاء بخلافه، وقوله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا