تأويلك. وأيضا فإنه صلى الله عليه وسلم مساو للأمة في سائر الأحكام إلا ما خصه الله تعالى به وأفرده من الجملة بتوقيف للأمة عليه بقوله تعالى: (فاتبعوه) [الأنعام: 153، 155] وقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21].
فهذه الأمور التي ذكرنا مما تعبدنا فيه بالإمساك عنه في نهار رمضان، هي من الصوم المراد به في قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فهي إذا من الصوم اللغوي والشرعي جميعا. وأما ما ليس بإمساك مما وصفنا، فإنما هو من شرائطه، ولا يكون الإمساك على الوجوه التي ذكرنا صوما شرعيا إلا بوجود هذه الشرائط، وذلك الاسلام والبلوغ والنية وأن تكون المرأة غير حائض، فمتى عدم شئ من هذه الشرائط خرج عن أن يكون صوما شرعيا. وأما الإقامة والصحة فهما شرط صحة لزومه، ووجود المرض والسفر لا ينافي صحة الصوم وإنما ينافي لزوم الصوم على جهة الوجوب، ولو صاما لصح صومهما، وإنما قلنا: البلوغ شرط في صحة لزومه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم) ولا خلاف أنه لا يلزمه سائر العبادات، فكذلك الصوم. وقد يؤمر به المراهق على وجه التعليم ليعتاده وليمرن عليه لقول تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [التحريم: 6] قيل في التفسير: أدبوهم وعلموهم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر!) وليس ذلك على وجه التكليف وإنما هو على وجه التعليم والتأديب.
وأما الاسلام فإنما كان شرطا في صحة فعله لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) [الزمر: 65] فلا تصح له قربة إلا على شرط كونه مؤمنا.
وأما العقل، فإن فقدت معه النية والإرادة فإنما ينفي عنه صحة الصوم لعدم النية، فإن وجدت منه النية من الليل ثم عزب عقله لم ينف ذلك صحة صومه. وإنما قلنا إن النية شرط في صحة الصوم من قبل أنه لا يكون صوما شرعيا إلا بأن يكون فاعله متقربا به إلى الله عز وجل، ولا تصح القربة إلا بالنية والقصد لها، قال الله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) [الحج: 37] فأخبر عز وجل أن شرط التقوى تحري موافقة أمره. ولما كان الشرط كونه متقيا فعل الصوم من المفروض لم يحصل له ذلك إلا بالنية، لأن التقوى لا تحصل له إلا بتحري موافقة أمر الله والقصد إليه، وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) [البينة: 5] ولا يكون إخلاص الدين له إلا بقصده به إليه راغبا عن أن يريد به غيره. فهذه أصول في تعلق صحة الفروض بالنيات.