وقد اختلف الفقهاء في الصبي والبالغ والمجنون والعاقل والعامد والمخطئ يقتلان رجلا، فقال أبو حنيفة وصاحباه: (لا قصاص على واحد منهما). وكذلك لو كان أحدهما أبا المقتول فعلى الأب والعاقل نصف الدية في ماله، والمخطئ والمجنون والصبي على عاقلته، وهو قول الحسن بن صالح. وقال مالك: (إذا اشترك الصبي والبالغ في قتل رجل قتل الرجل وعلى عاقلة الصبي نصف الدية). وقال الأوزاعي: (على عاقلتهما الدية). وقال الشافعي: (إذا قتل رجلا مع صبي رجلا فعلى الصبي العامد نصف الدية في ماله، وكذلك الحر والعبد إذا قتلا عبدا والمسلم والنصراني إذا قتلا نصرانيا قال: (وإن شركة قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطئ على عاقلته).
قال أبو بكر: أصل أصحابنا في ذلك أنه متى اشترك اثنان في قتل رجل وأحدهما لا يجب عليه القود فلا قود على الآخر. وما قدمناه من دلائل الآي التي ذكرنا يمنع وجوب القود على أحدهما عمدا ويجب المال على الآخر لحصول حكم الخطأ للنفس المتلفة، ولا جائز أن يكون خطأ وعمدا موجبا للمال والقود في حال واحدة، وهي نفس واحدة لا تتبعض، ألا ترى أنه غير جائز أن يكون بعضها متلفا وبعضها حيا؟ لأن ذلك يوجب أن يكون الانسان حيا ميتا في حال واحدة. فلما امتنع ذلك ثبت أن كل واحد من القاتلين في حكم المتلف لجميعها، فوجب بذلك قسطها من الدية على من لا يجب عليه القود، فيصير حينئذ محكوما للجميع بحكم الخطأ. فلا جائز مع ذلك أن يحكم لها بحكم العمد، لأنه لو جاز ذلك لوجب أن يكون فيهما جميع الدية. ويشبه من هذا الوجه أيضا الواطئ لجارية بينه وبين غيره في سقوط الحد عنه، لأن فعله لم يتبعض في نصيبه دون نصيب شريكه، فلما لم يجب عليه الحد في نصيبه منع ذلك من وجوبه في نصيب شريكه لعدم التبعيض فيه. وعلى هذا قال أصحابنا في رجلين سرقا من ابن أحدهما: إنه لا قطع على واحد منهما لمشاركته في انتهاك الحرز من لا يستحق القطع.
فإن قال قائل: إن تعلق حكم العامد على العامد والصحيح والبالغ موجب عليه القود بقضية استدلالك بالآي التي تلوت إذا كان قاتلا لجميع النفس متلفا لجميع الحياة، ولذلك استحق الوعيد في حال الاشتراك والانفراد. وكذلك الجماعة العامدون ثم لقتل رجل أوجب على كل واحد منهم القود، إذ كان في حكم من أتلف الجميع منفردا به، وهذا يوجب قتل العاقل منهما. وكذلك الصبي والبالغ، وأن لا يسقط بمشاركة من لا قود عليه. قيل له: هذا غير واجب، من قبل أنه لا خلاف أن المشارك الذي لا قود عليه يلزمه قسطه من الدية، ولما وجب فيه الأرش انتفى عنه حكم العمد في الجميع لما ذكرنا من امتناع تبعيضها في حال الإتلاف، فصار الجميع في حكم الخطأ وما لا قود فيه. ولما كان