عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إدريس بن عبد الكريم الحدار قال: حدثنا محمد بن الصباح: حدثنا سليمان بن الحكم: حدثنا القاسم بن الوليد، عن سنان بن الحارث، عن طلحة بن مطرف، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده!) ولهذا الخبر ضروب من التأويل كلها توافق ما قدمنا ذكره من الآي والسنن، أحدها: أنه قد ذكر أن ذلك كان في خطبته يوم فتح مكة، وقد كان رجل من خزاعة قتل رجلا من هذيل بذحل الجاهلية فقال عليه السلام: (ألا إن كل دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين! لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده!) يعني والله أعلم بالكافر الذي قتله في الجاهلية، وكان ذلك تفسيرا لقوله:
(كل دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي) لأنه مذكور في خطاب واحد في حديث. وقد ذكر أهل المغازي أن عهد الذمة كان بعد فتح مكة، وأنه إنما كان قبل ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهود إلى مدد لا على أنهم داخلون في ذمة الاسلام وحكمه، وكان قوله يوم فتح مكة: (لا يقتل مؤمن بكافر) منصرفا إلى الكفار المعاهدين، إذ لم يكن هناك ذمي ينصرف الكلام إليه، ويدل عليه قوله: (ولا ذو عهد في عهده) كما قال تعالى: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) [التوبة: 4] وقال: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) [التوبة: 2]. وكان المشركون حينئذ ضربين، أحدهما: أهل الحرب ومن لا عهد بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر: أهل عهد إلى مدة، ولم يكن هناك أهل ذمة، فانصرف الكلام إلى الضربين من المشركين، ولم يدخل فيه من لم يكن على أحد هذين الوصفين. وفي فحوى هذا الخبر ومضمونه ما يدل على أن الحكم المذكور في نفي القصاص مقصور على الحربي المعاهد دون الذمي، وذلك أنه عطف عليه قوله: (ولا ذو عهد في عهده) ومعلوم أن قوله: (ولا ذو عهد في عهده) غير مستقل بنفسه في إيجاب الفائدة لو انفرد عما قبله، فهو إذا مفتقر إلى ضمير وضميره ما تقدم ذكره، ومعلوم أن الكافر الذي لا يقتل به ذو العهد المستأمن هو الحربي، فثبت أن مراده مقصور على الحربي. وغير جائز أن يجعل الضمير (ولا يقتل ذو عهد في عهده) من وجهين، أحدهما: أنه لما كان القتل المبدوء بذكره قتلا على وجه القصاص وكان ذلك القتل بعينه سبيله أن يكون مضمرا في الثاني، لم يجز لنا إثبات الضمير قتلا مطلقا، إذ لم يتقدم في الخطاب ذكر قتل مطلق غير مقيد بصفة وهو القتل على وجه القود، فوجب أن يكون هو المنفي بقوله: (ولا ذو عهد في عهده) فصار تقديره: ولا يقتل مؤمن بكافر ولا يقتل ذو