قوله (لا وصية لوارث) ونحوه في لزوم الحكم به، وكان في حيز المستفيض المتواتر.
وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن سنان المروزي قال: حدثنا إبراهيم بن رستم، عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقاد الأب بابنه). وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا خلاد بن يحيى قال: حدثنا قيس، عن إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد الوالد بولده). وروي عن النبي عليه السلام أنه قال لرجل: (أنت ومالك لأبيك) فأضاف نفسه إليه كإضافة ماله، وإطلاق هذه الإضافة ينفي القود كما ينفي أن يقاد المولى بعبده لإطلاق إضافته إليه بلفظ يقتضي الملك في الظاهر، والأب وإن كان غير مالك لابنه في الحقيقة فإن ذلك لا يسقط استدلالنا بإطلاق الإضافة، لأن القود يسقطه الشبهة، وصحة هذه الإضافة شبهة في سقوطه.
ويدل عليه أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أولادكم من كسبكم فكلوا من كسب أولادكم!) فسمى ولده كسبا له كما أن عبده كسبه، فصار ذلك شبهة في سقوط القود به.
وأيضا فلو قتل عبد ابنه لم يقتل به، لأنه عليه السلام سماه كسبا له، كذلك إذا قتل نفسه. وأيضا قال الله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك) [لقمان: 14 و 15] الآية، فأمر بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف وأمره بالشكر لقوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) [لقمان: 14] وقرن شكرهما بشكره، وذلك ينفي جواز قتله إذا قتل وليا لابنه، فكذلك إذا قتل ابنه، لأن من يستحق القود بقتل الابن إنما يثبت له ذلك من جهة الابن المقتول، فإذا لم يستحق ذلك المقتول لم يستحق ذلك عنه. وكذلك قوله تعالى:: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح به الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) [الإسراء: 2] ولم يخصص حالا دون حال، بل أمره بذلك أمرا مطلقا عاما. فغير جائز ثبوت حق القود له عليه، لأن قتله له يضاده هذه الأمور التي أمر الله تعالى لها في معاملة والده. وأيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه وكان مشركا محاربا لله ولرسوله وكان مع قريش يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فلو جاز للابن