قصصا) [الكهف: 64] وقال تعالى (وقالت لأخته قصيه) [القصص: 11] اي ابتغي أثره.
وقوله: (كتب عليكم) معناه: فرض عليكم، كقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) [البقرة: 183]، و (وكتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين) [البقرة: 180] وقد كانت الوصية واجبة. ومنه: الصلوات المكتوبات، يعني بها المفروضات، فانتظمت الآية إيجاب القصاص على المؤمنين إذا قتلوا لمن قتلوا من سائر المقتولين لعموم لفظ المقتولين. والخصوص إنما هو في القاتلين، لأنه لا يكون القصاص مكتوبا عليهم إلا وهم قاتلون، فاقتضى وجوب القصاص على كل قاتل عمدا بحديدة إلا ما خصه الدليل، سواء كان المقتول عبدا أو ذميا، ذكرا أو أنثى، لشمول لفظ القتلى للجميع.
وليس توجيه الخطاب إلى المؤمنين بإيجاب القصاص عليهم في القتلى بموجب أن يكون القتلى مؤمنين، لأن علينا اتباع عموم اللفظ ما لم تقم دلالة الخصوص، وليس في الآية ما يوجب خصوص الحكم في بعض القتلى دون بعض.
فإن قال قائل: يدل على خصوص الحكم في القتلى وجهان، أحدهما: في نسق الآية: (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) والكافر لا يكون أخا للمسلم، فدل على أن الآية خاصة في قتلى المؤمنين. والثاني قوله: (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى). قيل له: هذا غلط من وجهين، أحدهما: أنه إذا كان أول الخطاب قد شمل الجميع فما عطف عليه بلفظ الخصوص لا يوجب تخصيص عموم اللفظ، وذلك نحو قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228]. وهو عموم في المطلقة ثلاثا وما دونها، ثم عطف قوله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) [الطلاق: 2]، وقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) [البقرة: 228] وهذا الحكم خاص في المطلق لما دون الثلاث، ولم يوجب ذلك تخصيص عموم اللفظ في إيجاب ثلاثة قروء من العدة على جميعهن، ونظائر هذا كثيرة في القرآن. والوجه الآخر: أن يريد الأخوة من طريق النسب لا من جهة الدين، كقوله تعالى: (وإلى عاد أخوهم هودا). وأما قوله: (الحر بالحر والعبد بالعبد) فلا يوجب تخصيص عموم اللفظ في القتلى، لأنه إذا كان أول الخطاب مكتفيا بنفسه غير مفتقر إلى ما بعده لم يجز لنا أن نقصره عليه.
وقوله: (الحر بالحر) إنما هو بيان لما تقدم ذكره على وجه التأكيد وذكر الحال التي خرج عليها الكلام، وهو ما ذكره الشعبي وقتادة: أنه كان بين حيين من العرب قتال