* (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (تلك آيات الله) *: هذه آيات الله وقد بينا كيف وضعت العرب تلك وذلك مكان هذا وهذه في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. وقوله: * (آيات الله) * يعني: مواعظ الله، وعبره وحججه. * (نتلوها عليك) * نقرؤها عليك ونقصها. * (بالحق) * يعني: بالصدق واليقين وإنما يعني بقوله: * (تلك آيات الله) * هذه الآيات التي ذكر فيها أمور المؤمنين من أنصار رسول الله (ص) وأمور يهود بني إسرائيل وأهل الكتاب، وما هو فاعل بأهل الوفاء بعهده وبالمبدلين دينه والناقضين عهده بعد الاقرار به. ثم أخبر عز وجل نبيه محمدا (ص) أنه يتلو ذلك عليه بالحق وأعلمه أن من عاقبه من خلقه بما أخبر أنه معاقبه من تسويد وجهه وتخليده في أليم عذابه وعظيم عقابه ومن جازاه منهم بما جازاه من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه بتخليده في دائم نعيمه فبغير ظلم منه لفريق منهم بل لحق استوجبوه وأعمال لهم سلفت، جازاهم عليها، فقال تعالى ذكره:
* (وما الله يريد ظلما للعالمين) * يعني بذلك: وليس الله يا محمد بتسويد وجوه هؤلاء، وإذاقتهم العذاب العظيم، وتبييض وجوه هؤلاء، وتنعيمه إياهم في جنته، طالبا وضع شئ مما فعل من ذلك في غير موضعه الذي هو موضعه، إعلاما بذلك عباده، أنه لن يصلح في حكمته بخلقه، غير ما وعد أهل طاعته والايمان به، وغير ما أوعد أهل معصيته والكفر به، وإنذارا منه هؤلاء وتبشيرا منه هؤلاء. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور) * يعني بذلك جل ثناؤه: أنه يعاقب الذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنه معاقبهم به من العذاب العظيم، وتسويد الوجوه، ويثيب أهل الايمان به، الذين ثبتوا على التصديق والوفاء بعهودهم التي عاهدوا عليها، بما وصف أنه مثيبهم به، من الخلود في جنانه، من غير ظلم منه لاحد الفريقين فيما فعل، لأنه لا حاجة به إلى الظلم، وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزه عزة بظلمه إياه، وإلى سلطانه سلطانا، وإلى ملكه ملكا، لنقصان في بعض أسبابه، يتمم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصا من أسبابه عن التمام، فأما من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب، وما في الدنيا والآخرة، فلا معنى لظلمه أحدا فيجوز أن يظلم شيئا، لأنه ليس من أسبابه شئ ناقص يحتاج إلى تمام، فيتم ذلك بظلم غيره، تعالى الله علوا كبيرا، ولذلك قال جل ثناؤه عقيب قوله: * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * * (ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور) *.