المحسنين) *، فالكاظمين الغيظ كقوله: * (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) *، يغضبون في الامر لو وقعوا به كان حراما فيغفرون ويعفون، يلتمسون بذلك وجه الله، * (والعافين عن الناس) * كقوله: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) *... إلى: * (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) * يقول: لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (والذين إذا فعلوا فاحشة) *: أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين، المنفقين في السراء والضراء، والذين إذا فعلوا فاحشة وجميع هذه النعوت من صفة المتقين الذين قال تعالى ذكره: * (وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) *. كما:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية: * (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) *، ثم قرأ: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) *... إلى * (أجر العاملين) * فقال: إن هذين النعتين لنعت رجل واحد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) * قال: هذان ذنبان: الفاحشة ذنب، وظلموا أنفسهم ذنب.
وأما الفاحشة فهي صفة لمتروك، ومعنى الكلام: والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة.
ومعنى الفاحشة: الفعلة القبيحة الخارجة عما أذن الله عز وجل فيه. وأصل الفحش القبح والخروج عن الحد والمقدار في كل شئ، ومنه قيل للطويل المفرط الطول: إنه لفاحش الطول، يراد به: قبيح الطول، خارج عن المقدار المستحسن، ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد: كلام فاحش، وقيل للمتكلم به: أفحش في كلامه: إذا نطق بفحش. وقيل: إن الفاحشة في هذا الموضع معني بها الزنا. ذكر من قال ذلك: