سبيله، وليس كل من يقاتل يقتل، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم) * يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين ولوا عن المشركين من أصحاب رسول الله (ص) يوم أحد وانهزموا عنهم، وقوله: * (تولوا) *: تفعلوا، من قولهم: ولى فلان ظهره. وقوله:
* (يوم التقى الجمعان) * يعني: يوم التقى جمع المشركين والمسلمين بأحد، * (إنما استزلهم الشيطان) *: أي إنما دعاهم إلى الزلة الشيطان. وقوله استزل: استفعل، من الزلة، والزلة:
هي الخطيئة. * (ببعض ما كسبوا) * يعني: ببعض ما عملوا من الذنوب. * (ولقد عفا الله عنهم) * يقول: ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه. * (إن الله غفور) * يعني به: مغط على ذنوب من آمن به واتبع رسوله بعفوه عن عقوبته إياهم عليها. * (حليم) * يعني:
أنه ذو أناة، لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة.
ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها كل من ولى الدبر عن المشركين بأحد. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: خطب عمر يوم الجمعة، فقرأ آل عمران، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها، فلما انتهى إلى قوله: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) * قال: لما كان يوم أحد هزمناهم، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى، والناس يقولون: قتل محمد! فقلت: لا أجد أحدا يقول قتل محمد إلا قتلته. حتى اجتمعنا على الجبل، فنزلت: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) *... الآية كلها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) *... الآية، وذلك يوم أحد، ناس من أصحاب رسول الله (ص) تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون أنه قد تجاوز لهم عن ذلك، وعفا عنهم.