وأما قوله: * (والله بصير بما يعملون) * فإنه يعني: والله ذو علم بما يعمل أهل طاعته ومعصيته، لا يخفى عليه من أعمالهم شئ، يحصي على الفريقين جميعا أعمالهم، حتى توفى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشر. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (والله بصير بما يعملون) * يقول: إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.
القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * يعني بذلك: لقد تطول الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا، حين أرسل فيهم رسولا من أنفسهم، نبيا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول * (يتلو عليهم آياته) * يقول: يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله. * (ويزكيهم) * يعني:
يطهرهم من ذنوبهم باتباعهم إياه، وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم * (ويعلمهم الكتاب والحكمة) * يعني: ويعلمهم كتاب الله الذي أنزل عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه، والحكمة ويعني بالحكمة: السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله (ص) وبيانه لهم * (وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * يعني: إن كانوا من قبل أن يمن الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته، لفي ضلال مبين، يقول: في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقا، ولا يبطلون باطلا. وقد بينا أصل الضلالة فيما مضى، وأنه الاخذ على غير هدى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع والمبين: الذي يبين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه أنه على غير استقامة ولا هدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) * من الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من