يعني بذلك جل ثناؤه: * (فأولئك) * فهؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب * (يتوب الله عليهم) * دون من لم يتب، حتى غلب على عقله وغمرته حشرجة ميتته، فقال: وهو لا يفقه ما يقول: * (إني تبت الآن) * خداعا لربه ونفاقا في دينه، ومعنى قوله: * (يتوب الله عليهم) *: يرزقهم إنابة إلى طاعته، ويتقبل منهم أوبتهم إليه، وتوبتهم التي أحدثوها من ذنوبهم.
وأما قوله: * (وكان الله عليما حكيما) * فإنه يعني: ولم يزل الله جل ثناؤه عليما بالناس من عباده المنيبين إليه بالطاعة بعد إدبارهم عنه، المقبلين إليه بعد التولية، وبغير ذلك من أمور خلقه، حكيم في توبته على من تاب منهم من معصيته، وفي غير ذلك من تدبيره وتقديره، ولا يدخل أفعاله خلل، ولا يخلطه خطأ ولا زلل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الاصرار على معاصي الله، حتى إذا حضر أحدهم الموت، يقول: إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه قال: وقد غلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه بشغله بكرب حشرجته وغرغرته: إني تبت الآن، يقول فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة، لأنه قال ما قال ففي غير حال توبة. كما:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن يعلى بن نعمان، قال: أخبرني من سمع ابن عمر يقول: التوبة مبسوطة ما لم يسق. ثم قرأ ابن عمر: * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * قال: إذا تبين الموت فيه لم يقبل الله له توبة.