بشرائعه، * (وتنهون عن المنكر) * يعني: وتنهون عن الشرك بالله، وتكذيب رسوله، وعن العمل بما نهى عنه. كما:
حدثنا علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * يقول: تأمرونهم بالمعروف أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والاقرار بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف، وتنهونهم عن المنكر والمنكر: هو التكذيب، وهو أنكر المنكر.
وأصل المعروف: كل ما كان معروفا ففعله جميل مستحسن غير مستقبح في أهل الايمان بالله. وإنما سميت طاعة الله معروفا، لأنه مما يعرفه أهل الايمان ولا يستنكرون فعله. وأصل المنكر ما أنكره الله، ورأوه قبيحا فعله، ولذلك سميت معصية الله منكرا، لان أهل الايمان بالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبها. وقوله: * (وتؤمنون بالله) * يعني : تصدقون بالله، فتخلصون له التوحيد والعبادة.
فإن سأل سائل فقال: وكيف قيل: * (كنتم خير أمة) * وقد زعمت أن تأويل الآية أن هذه الأمة خير الأمم التي مضت، وإنما يقال: كنتم خير أمة، لقوم كانوا خيارا فتغيروا عما كانوا عليه؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنما معناه: أنتم خير أمة، كما قيل: * (واذكروا إذ أنتم قليل) * وقد قال في موضع آخر: * (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) * فإدخال كان في مثل هذا وإسقاطها بمعنى واحد، لان الكلام معروف معناه.
ولو قال أيضا في ذلك قائل: كنتم بمعنى التمام، كان تأويله: خلقتم خير أمة، أو وجدتم خير أمة، كان معنى صحيحا، وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك: كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ أخرجت للناس، والقولان الأولان اللذان قلنا، أشبه بمعنى الخبر الذي رويناه قبل.
وقال آخرون معنى ذلك: كنتم خير أهل طريقة، وقال: الأمة: الطريقة.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) *.
يعني بذلك تعالى ذكره: ولو صدق أهل التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى