هذه اللغة لقيل: لا يضركم كيدهم شيئا، ولكني لا أعلم أحدا قرأ به، وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قراء أهل الكوفة: * (لا يضركم كيدهم شيئا) * بضم الضاد وتشديد الراء من قول القائل: ضرني فلان فهو يضرني ضرا.
وأما الرفع في قوله: * (لا يضركم) * فمن وجهين: أحدهما على اتباع الراء في حركتها، إذ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها أقرب حركات الحروف التي قبلها، وذلك حركة الضاد، وهي الضمة، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها، كما قالوا: مد يا هذا. والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك: أن تكون مرفوعة على صحة، وتكون لا بمعنى ليس، وتكون الفاء التي هي جواب الجزاء متروكة لعلم السامع بموضعها. وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئا، ثم تركت الفاء من قوله: * (لا يضركم كيدهم) * ووجهت لا إلى معنى ليس، كما قال الشاعر:
فإن كان لا يرضيك حتى تردني * إلى قطري لا إخالك راضيا ولو كانت الراء محركة إلى النصب والخفض كان جائزا، كما قيل: مد يا هذا، ومد.
وقوله: * (إن الله بما تعملون محيط) * يقول جل ثناؤه: إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصد عن سبيله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله، محيط بجميعه، حافظ له لا يعزب عنه شئ منه، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله ويذيقهم عقوبته عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) * يعني جل ثناؤه بقوله: * (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين) *: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أيها المؤمنون كيد هؤلاء الكفار من اليهود شيئا، ولكن الله ينصركم عليهم إن صبرتم على طاعتي، واتباع أمر رسولي، كما نصرتكم ببدر وأنتم أذلة. وإن أنتم خالفتم