بمعنى: أوحى إليها، ومنه قوله: * (بأن ربك أوحى لها) *.
وقيل: يحتمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديا للايمان ينادي أن آمنوا بربكم.
فتأويل الآية إذا: ربنا سمعنا داعيا يدعو إلى الايمان يقول إلى التصديق بك، والاقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك وطاعته، فيما أمرنا به، ونهانا عنه، مما جاء به من عندك فآمنا ربنا، يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا، فاغفر لنا ذنوبنا، يقول: فاستر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رؤوس الاشهاد، بعقوبتك إيانا عليها، ولكن كفرها عنا، وسيئات أعمالنا فامحها بفضلك ورحمتك إيانا، وتوفنا مع الأبرار، يعني بذلك: واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك في عداد الأبرار، واحشرنا محشرهم ومعهم، والأبرار جمع بر، وهم الذين بروا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم له، حتى أرضوه فرضي عنهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) *.
إن قال لنا قائل: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم، وقد علموا أن الله منجز وعده، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قيل: اختلف في ذلك أهل البحث، فقال بعضهم: ذلك قول خرج مخرج المسألة، ومعناه الخبر، قالوا: وإنما تأويل الكلام: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، قالوا: وليس ذلك على أنهم قالوا: إن توفيتنا مع الأبرار فانجز لنا ما وعدتنا لأنهم قد علموا أن الله لا يخلف الميعاد، وأن ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدعاء، ولكنه تفضل بإيتائه، ثم ينجزه.
وقال آخرون: بل ذلك قول من قائله على معنى المسألة والدعاء لله، بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله، لا أنهم كانوا قد استحقوا منزلة الكرامة عند الله في أنفسهم، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم، فيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخلف وعده، قالوا: ولو كان القوم إنما سألوا ربهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار، لكانوا قد زكوا أنفسهم، وشهدوا لها أنها ممن قد استوجب كرامة الله وثوابه، قالوا: وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين.