وقال آخرون: بل عني بذلك قوم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، قال: بلغني أنها نزلت: * (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) * فيما بين المغرب والعشاء.
وهذه الأقوال التي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني، وذلك أن الله تعالى ذكره، وصف هؤلاء القوم، بأنهم يتلون آيات الله في ساعات الليل، وهي آناؤه، وقد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليا لها آناء الليل، وكذلك من تلاها فيما بين المغرب والعشاء، ومن تلاها جوف الليل، فكل تال له ساعات الليل.
غير أن أولى الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: عني بذلك: تلاوة القرآن في صلاة العشاء، لأنها صلاة لا يصليها أحد من أهل الكتاب، فوصف الله أمة محمد (ص) بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله.
وأما قوله: * (وهم يسجدون) * فإن بعض أهل العربية زعم أن معنى السجود في هذا الموضع اسم الصلاة لا السجود، لان التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع، فكان معنى الكلام عنده: يتلون آيات الله آناء الليل وهم يصلون، وليس المعنى على ما ذهب إليه، وإنما معنى الكلام: من أهل الكتاب أمة قائمة، يتلو آيات الله آناء الليل في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسجود هو السجود المعروف في الصلاة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ئ يعني بقوله عز وجل: يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين * (يؤمنون بالله واليوم الآخر) *: يصدقون بالله، وبالبعث بعد الممات، ويعلمون أن الله مجازيهم بأعمالهم، وليسوا كالمشركين الذين يجحدون وحدانية الله، ويعبدون معه غيره، ويكذبون بالبعث بعد الممات، وينكرون المجازاة على الأعمال والثواب والعقاب. وقوله: * (ويأمرون بالمعروف) * يقول: يأمرون الناس بالايمان بالله ورسوله، وتصديق محمد (ص)، وما جاءهم به. * (وينهون عن المنكر) * يقول: وينهون