في زمان آدم، وقال في الآخرين: الذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدين والعمل، فبيض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته.
وقال آخرون: بل الذين عنوا بقوله: * (أكفرتم بعد إيمانكم) *: المنافقون. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن:
* (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) *... الآية، قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الايمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن أبي بن كعب أنه عنى بذلك جميع الكفار، وأن الايمان الذي يوبخون على ارتدادهم عنه، هو الايمان الذي أقروا به يوم قيل لهم: * (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) *. وذلك أن الله جل ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقين: أحدهما سوداء وجوهه، والآخر بيضاء وجوهه، فمعلوم إذ لم يكن هنالك إلا هذان الفريقان أن جميع الكفار داخلون في فريق من سود وجهه، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بيض وجهه، فلا وجه إذا لقول قائل عنى بقوله:
* (أكفرتم بعد إيمانكم) * بعض الكفار دون بعض، وقد عم الله جل ثناؤه الخبر عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها، ثم ارتدوا كافرين بعد إلا حالة واحدة، كان معلوما أنها المرادة بذلك.
فتأويل الآية إذا: أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيض وجوه قوم، وتسود وجوه آخرين، فأما الذين اسودت وجوههم، فيقال: أجحدتم توحيد الله وعهده وميثاقه الذي واثقتموه عليه، بأن لا تشركوا به شيئا، وتخلصوا له العبادة بعد إيمانكم، يعني: بعد تصديقكم به، * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * يقول: بما كنتم تجحدون في الدنيا ما كان الله قد أخذ ميثاقكم بالاقرار به والتصديق، وأما الذين ابيضت وجوههم ممن ثبت على عهد الله وميثاقه، فلم يبدل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الاقرار بالتوحيد، والشهادة لربه بالألوهة، وأنه لا إله غيره * (ففي رحمة الله) * يقول: فهم في رحمة الله، يعني في جنته ونعيمها، وما أعد الله لأهلها فيها، * (هم فيها خالدون) * أي باقون فيها أبدا بغير نهاية ولا غاية. القول في تأويل قوله تعالى: