في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) * يعني بذلك جل ثناؤه: ولقد عفا عنكم أيها المؤمنون إذ لم يستأصلكم، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم، وهربكم، * (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد) *.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء الحجاز والعراق والشام سوى الحسن البصري: * (إذ تصعدون) * بضم التاء وكسر العين، وبه القراءة عندنا لاجماع الحجة من القراء على القراءة به، واستنكارهم ما خالفه. وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: إذ تصعدون بفتح التاء والعين.
حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن يونس بن عبيد، عن الحسن.
فأما الذين قرأوا: * (تصعدون) * بضم التاء وكسر العين، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن القوم حين انهزموا عن عدوهم أخذوا في الوادي هاربين. وذكروا أن ذلك في قراءة أبي:
إذ تصعدون في الوادي.
حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون.
قالوا: الهرب في مستوى الأرض، وبطون الأودية والشعاب، إصعاد لا صعود، قالوا وإنما يكون الصعود على الجبال والسلاليم والدرج، لان معنى الصعود: الارتقاء والارتفاع على الشئ علوا. قالوا: فأما الاخذ في مستوى الأرض الهبوط، فإنما هو إصعاد، كما يقال: أصعدنا من مكة، إذا ابتدأت في السفر منها والخروج، وأصعدنا من الكوفة إلى خراسان، بمعنى خرجنا منها سفرا إليها، وابتدأنا منها الخروج إليها. قالوا:
وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (ولا تلوون على أحد) * ذاكم يوم أحد أصعدوا في الوادي فرارا، ونبي الله (ص) يدعوهم في أخراهم، قال:
إلي عباد الله، إلي عباد الله.
وأما الحسن فإني أراه ذهب في قراءته: إذ تصعدون بفتح التاء والعين إلى أن القوم