حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * وتصيبوا من ثوابي الكرامة، ولم أختبركم بالشدة، وأبتليكم بالمكاره، حتى أعلم أصدق ذلك منكم الايمان بي، والصبر على ما أصابكم في.
ونصب * (ويعلم الصابرين) * على الصرف، والصرف أن يجتمع فعلان ببعض حروف النسق، وفي أوله ما لا يحسن إعادته مع حرف النسق، فينصب الذي بعد حرف العطف على الصرف، لأنه مصروف عن معنى الأول، ولكن يكون مع جحد أو استفهام أو نهي في أول الكلام، وذلك كقولهم: لا يسعني شئ ويضيق عنك، لان لا التي مع يسعني لا يحسن إعادتها مع قوله: ويضيق عنك، فلذلك نصب. والقراء في هذا الحرف على النصب، وقد روى عن الحسن أنه كان يقرأ: ويعلم الصابرين فيكسر الميم من يعلم، لأنه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله: * (ولما يعلم الله) *. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (ولقد كنتم تمنون الموت) *: ولقد كنتم يا معشر أصحاب محمد تمنون الموت يعني أسباب الموت وذلك القتال، * (فقد رأيتموه) * فقد رأيتم ما كنتم تمنونه. والهاء في قوله رأيتموه، عائدة على الموت، ومعنى: * (وأنتم تنظرون) * يعني:
قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر: أي بقرب منكم. وكان بعض أهل العربية يزعم أنه قيل:
* (وأنتم تنظرون) * على وجه التوكيد للكلام، كما يقال: رأيته عيانا، ورأيته بعيني، وسمعته بأذني، وإنما قيل: * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) * لان قوما من أصحاب رسول الله (ص) ممن لم يشهد بدرا، كانوا يتمنون قبل أحد يوما مثل يوم بدر، فيبلوا الله من أنفسهم خيرا، وينالوا من الاجر مثل ما نال أهل بدر، فلما كان يوم أحد فر بعضهم وصبر بعضهم، حتى أوفى بما كان عاهد الله قبل ذلك، فعاتب الله من فر منهم، فقال: * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) *... الآية، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم.
ذكر الاخبار بما ذكرنا من ذلك: