وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية، أن الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله (ص)، لن يفروا، أن يكونوا في كذبهم على الله، وافترائهم على ربهم، وتكذيبهم محمدا (ص) وهم يعلمونه صادقا محقا، وجحودهم نبوته، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها، والأدلة التي أبان صدقهم بها، افتراء على الله، واستخفافا بحقوقه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير) *.
وهذا تعزية من الله جل ثناؤه نبيه محمدا (ص) على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل. يقول الله تعالى له: لا يحزنك يا محمد كذب هؤلاء الذين قالوا: إن الله فقير، وقالوا: إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم، ولا يعظمن عليك تكذيبهم إياك، وادعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذبوك، وكذبوا على الله، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر، والأدلة الباهرة العقل، والآيات المعجزة الخلق، وذلك هو البينات. وأما الزبر: فإنه جمع زبور:
وهو الكتاب، وكل كتاب فهو زبور، ومنه قول امرئ القيس:
لمن طلل أبصرته فشجاني * كخط زبور في عسيب يماني ويعني بالكتاب: التوراة والإنجيل، وذلك أن اليهود كذبت عيسى وما جاء به وحرفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد (ص)، وبدلت عهده إليهم فيه، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته وغيرت ما أمرهم به في أمره.