* (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) *.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عني بذلك قوم من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله (ص) إذا غزا العدو، فإذا انصرف رسول الله (ص) اعتذروا إليه، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيم البرقي، قالا: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: ثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول الله (ص)، إذا خرج النبي (ص) إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، وإذا قدم النبي (ص) من السفر اعتذروا إليه وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فأنزل الله تعالى فيهم: * (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) *... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * قال: هؤلاء المنافقون يقولون النبي (ص): لو قد خرجت لخرجنا معك، فإذا خرج النبي (ص) تخلفوا وكذبوا، ويفرحون بذلك، ويرون أنها حيلة احتالوا بها.
وقال آخرون: عني بذلك قوم من أحبار اليهود كانوا يفرحون بإضلالهم الناس، ونسبة الناس إياهم إلى العلم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، ثنا قال: سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس أو سعيد بن جبير: * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * إلى قوله * (ولهم عذاب أليم) * يعني: فنحاصا وأشيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) * أن يقول لهم الناس علماء وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى ولا خير، ويحبون أن يقول لهم الناس: قد فعلوا.