الناس عن الكفر بالله، وتكذيب محمد، وما جاءهم به من عند الله: يعني بذلك: أنهم ليسوا كاليهود والنصارى، الذي يأمرون الناس بالكفر، وتكذيب محمد فيما جاءهم به، وينهونهم عن المعروف من الأعمال، وهو تصديق محمد فيما أتاهم به من عند الله: * (ويسارعون في الخيرات) * يقول: ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم.
ثم أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب هم من عداد الصالحين، لان من كان منهم فاسقا قد باء بغضب من الله، لكفره بالله وآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وعصيانه ربه، واعتدائه في حدوده. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه والله عليم بالمتقين) *.
اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) * جميعا، ردا على صفة القوم الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقرأته عامة قراء المدينة والحجاز وبعض قراء الكوفة بالتاء في الحرفين جميعا: * (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) * بمعنى: وما تفعلوا أنتم أيها المؤمنون من خير فلن يكفركموه ربكم. وكان بعض قراء البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزا بالياء والتاء في الحرفين.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا: * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) * بالياء في الحرفين كليهما، يعني بذلك الخبر عن الأمة القائمة، التالية آيات الله. وإنما اخترنا ذلك، لان ما قبل هذه الآية من الآيات خبر عنهم، فإلحاق هذه الآية إذ كان لا دلالة فيها تدل على الانصراف عن صفتهم بمعاني الآيات قبلها أولى من صرفها عن معاني ما قبلها. وبالذي اخترنا من القراءة كان ابن عباس يقرأ.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤهما جميعا بالياء.
فتأويل الآية إذا على ما اخترنا من القراءة: وما تفعل هذه الأمة من خير، وتعمل من عمل لله فيه رضا فلن يكفرهم الله ذلك، يعني بذلك: فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء.