تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول. وقوله: * (الذين قالوا إن الله) * في موضع خفض ردا على قوله: * (الذين قالوا إن الله فقير) * ويعني بقوله: * (قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول) * أوصانا وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه، أن لا نؤمن لرسول. يقول: أن لا نصدق رسولا فيما يقول إنه جاء به من عند الله، من أمر ونهي وغير ذلك * (حتى يأتينا بقربان تأكله النار) * يقول: حتى يجيئنا بقربان، وهو ما تقرب به العبد إلى ربه من صدقة، وهو مصدر مثل العدوان والخسران من قولك: قربت قربانا. وإنما قال: تأكله النار، لان أكل النار ما قربه أحدهم لله في ذلك الزمان كان دليلا على قبول الله منه ما قرب له، ودلالة على صدق المقرب فيما ادعى أنه محق فيما نازع أو قال كما:
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: * (حتى يأتينا بقربان تأكله النار) * كان الرجل يتصدق، فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال:
سمعت الضحاك يقول في قوله: * (بقربان تأكله النار) * كان الرجل إذا تصدق بصدقة، فتقبلت منه بعث الله نارا من السماء، فنزلت على القربان فأكلته.
فقال الله تعالى لنبيه محمد (ص): * (أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات) * يعني: بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم، * (وبالذي قلتم) * يعني: وبالذي ادعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه، والاقرار بنبوته من أكل النار قربانه إذا قرب لله دلالة على صدقه، * (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) * يقول له: قل لهم: قد جاءتكم الرسل الذين كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم، فقتلتموهم، فلم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاؤوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم إن كنتم صادقين في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته؟