القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) *.
يقول تعالى ذكره: فعلنا بهم ذلك بكفرهم، وقتلهم الأنبياء، ومعصيتهم ربهم، واعتدائهم أمر ربهم. وقد بينا معنى الاعتداء في غير موضع فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية عن إعادته. فأعلم ربنا جل ثناؤه عباده، ما فعل بهؤلاء القوم من أهل الكتاب، من إحلال الذلة والخزي بهم في عاجل الدنيا، مع ما ادخر لهم في الآجل من العقوبة والنكال، وأليم العذاب، إذ تعدوا حدود الله، واستحلوا محارمه، تذكيرا منه تعالى ذكره لهم، وتنبيها على موضع البلاء الذي من قبله أتوا لينيبوا ويذكروا، وعظة منه لامتنا، أن لا يستنوا بسنتهم، ويركبوا منهاجهم، فيسلك بهم مسالكهم، ويحل بهم من نقم الله ومثلاته ما أحل بهم. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * اجتنبوا المعصية والعدوان، فإن بهما أهلك من أهلك قبلكم من الناس القول في تأويل قوله تعالى:
* (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (ليسوا سواء) * ليس فريقا أهل الكتاب، أهل الايمان منهم والكفر سواء، يعني بذلك: أنهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد والخير والشر. وإنما قيل: ليسوا سواء، لان فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللذين ذكرهما الله في قوله: * (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) * ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الفريقين عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: * (ليسوا سواء) *: أي ليس هؤلاء سواء، المؤمنون منهم والكافرون. ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم، وأثنى عليهم بعد ما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونخب الجنان، ومحالفة الذل