رسول الله (ص): أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا، فطال سقمه منه، فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟
فقالوا: اللهم نعم.
وأما قوله: * (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * فإن معناه: قل يا محمد للزاعمين من اليهود أن الله حرم عليهم في التوراة العروق ولحوم الإبل وألبانها، ائتوا بالتوراة فاتلوها! يقول: قل لهم: جيئوا بالتوراة فاتلوها، حتى يتبين لمن خفي عليه كذبهم وقيلهم الباطل على الله من أمرهم، أن ذلك ليس مما أنزلته في التوراة * (إن كنتم صادقين) *، يقول: إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل تحريم ذلك في التوراة، فأتونا بها، فاتلوا تحريم ذلك علينا منها. وإنما ذلك خبر من الله عن كذبهم، لأنهم لا يجيئون بذلك أبدا على صحته، فأعلم الله بكذبهم عليه نبيه (ص)، وجعل إعلامه إياه ذلك حجة له عليهم، لان ذلك إذا كان يخفى على كثير من أهل ملتهم، فمحمد (ص) وهو أمي من غير ملتهم، لولا أن الله أعلمه ذلك بوحي من عنده، كان أحرى أن لا يعلمه. فكان في ذلك له (ص) من أعظم الحجة عليهم بأنه نبي الله (ص) إليهم، لان ذلك من أخبار أوائلهم كان من خفي علومهم الذي لا يعلمه غير خاصة منهم، إلا من أعلمه الذي لا يخفى عليه خافية من نبي أو رسول، أو من أطلعه الله على علمه ممن شاء من خلقه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون) * يعني جل ثناؤه بذلك: فمن كذب على الله منا ومنكم من بعد مجيئكم بالتوراة، وتلاوتكم إياها، وعدمكم ما ادعيتم من تحريم الله العروق ولحوم الإبل وألبانها فيها، * (فأولئك هم الظالمون) * يعني: فمن فعل ذلك منهم * (فأولئك) * يعني فهؤلاء الذين يفعلون ذلك، * (هم الظالمون) * يعني فهم الكافرون القائلون على الله الباطل. كما:
حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن زكريا، عن الشعبي: * (فأولئك هم الظالمون) * قال: نزلت في اليهود. القول في تأويل قوله تعالى: