وقد دللنا على معنى الكفر مضى قبل بشواهده، وأن أصله تغطية الشئ، فكذلك ذلك في قوله: * (فلن يكفروه) *: فلن يغطي على ما فعلوا من خير، فيتركوا بغير مجازاة، ولكنهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك، فيجزل لهم الثواب فيه.
وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل تأول ذلك من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما تفعلوا من خير فلن تكفروه يقول: لن يضل عنكم.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، بمثله.
وأما قوله: * (والله عليم بالمتقين) * فإنه يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بمن اتقاه بطاعته، واجتناب معاصيه، وحافظ أعمالهم الصالحة حتى يثيبهم عليها، ويجازيهم بها.
تبشيرا منه لهم جل ذكره في عاجل الدنيا، وحضا لهم على التمسك بالذي هم عليه من صالح الأخلاق التي ارتضاها لهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وهذا وعيد من الله عز وجل للأمة الأخرى الفاسقة من أهل الكتاب، الذين أخبر عنهم بأنهم فاسقون وأنهم قد باءوا بغضب منه، ولمن كان من نظرائهم من أهل الكفر بالله ورسوله، وما جاء به محمد (ص) من عند الله. يقول تعالى ذكره: * (إن الذين كفروا) * يعني الذين جحدوا نبوة محمد (ص)، وكذبوا به، وبما جاءهم به من عند الله، * (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) * يعني: لن تدفع أمواله التي جمعها في الدنيا وأولاده الذين رباهم فيها شيئا من عقوبة الله يوم القيامة إن أخرها لهم إلى يوم القيامة، ولا في الدنيا إن عجلها لهم فيها. وإنما خص أولاده وأمواله، لان أولاد الرجل أقرب أنسبائه إليه، وهو على ماله أقرب منه على مال غيره، وأمره فيه أجوز من أمره في مال غيره، فإذا لم يغن عنه ولده لصلبه وماله الذي هو نافذ الامر فيه، فغير ذلك من أقربائه وسائر أنسبائه وأموالهم أبعد من أن تغني عنه من الله شيئا. ثم أخبر جل ثناؤه أنهم هم أهل النار الذين هم أهلها بقوله:
* (وأولئك أصحاب النار) *، وإنما جعلهم أصحابها، لأنهم أهلها الذين لا يخرجون منها ولا يفارقونها، كصاحب الرجل الذي لا يفارقه وقرينه الذي لا يزايله. ثم وكد ذلك بإخباره