والأرضين السبع أعدها الله للمتقين، الذين اتقوا الله، فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم، فلم يتعدوا حدوده، ولم يقصروا في واجب حقه عليهم فيضيعوه. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) *: أي ذلك لمن أطاعني وأطاع رسولي.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) * يعني جل ثناؤه بقوله: * (الذين ينفقون في السراء والضراء) * أعدت الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله، إما في صرفه على محتاج، وإما في تقوية مضعف على النهوض للجهاد في سبيل الله.
وأما قوله: * (في السراء) * فإنه يعني: في حال السرور بكثرة المال، ورخاء العيش والسراء: مصدر من قولهم سرني هذا الامر مسرة وسرورا، والضراء: مصدر من قولهم:
قد ضر فلان فهو يضر إذا أصابه الضر، وذلك إذا أصابه الضيق والجهد في عيشه.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: * (الذين ينفقون في السراء والضراء) * يقول: في العسر واليسر.
فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة وفي حال الضيق والشدة في سبيله.
وقوله: * (والكاظمين الغيظ) * يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال منه: كظم فلان غيظه: إذا تجرعه فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه باستمكانها ممن غاظها وانتصارها ممن ظلمها. وأصل ذلك من كظم القربة، يقال منه:
كظمت القربة: إذا ملأتها ماء، وفلان كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئا غما وحزنا، ومنه قول الله عز وجل، * (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) * يعني ممتلئ من الحزن، ومنه قيل