عنهم أنهم فيها خالدون، صحبتهم إياها صحبة لا انقطاع لها، إذ كان من الأشياء ما يفارق صاحبه في بعض الأحوال ويزايله في بعض الأوقات، وليس كذلك صحبة الذين كفروا النار التي أصلوها، ولكنها صحبة دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع، نعوذ بالله منها ومما قرب منها من قول وعمل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) * يعني بذلك جل ثناؤه: شبه ما ينفق الذين كفروا: أي شبه ما يتصدق به الكافر من ماله، فيعطيه من يعطيه على وجه القربة إلى ربه، وهو لوحدانية الله جاحد ولمحمد (ص) مكذب في أن ذلك غير نافعه مع كفره، وأنه مضمحل عند حاجته إليه ذاهب بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه، كشبه ريح فيها برد شديد * (أصابت) * هذه الريح التي فيها البرد الشديد * (حرث قوم) * يعني زرع قوم، قد أملوا إدراكه، ورجوا ريعه وعائدة نفعه، * (ظلموا أنفسهم) * يعني أصحاب الزرع، عصوا الله، وتعدوا حدوده * (فأهلكته) * يعني فأهلكت الريح التي فيها الصر زرعهم ذلك، بعد الذي كانوا عليه من الامل، ورجاء عائدة نفعه عليهم.
يقول تعالى ذكره: فكذلك فعل الله بنفقة الكافر وصدقته في حياته حين يلقاه يبطل ثوابها، ويخيب رجاءه منها. وخرج المثل للنفقة، والمراد بالمثل: صنيع الله بالنفقة، فبين ذلك قوله: * (كمثل ريح فيها صر) * فهو كما قد بينا في مثله من قوله: * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * وما أشبه ذلك.
فتأويل الكلام: مثل إبطال الله أجر ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا، كمثل ريح فيها صر.
وإنما جاز ترك ذكر إبطال الله أجر ذلك لدلالة آخر الكلام عليه، وهو قوله: * (كمثل ريح فيها صر) * ولمعرفة السامع ذلك معناه.
واختلف أهل التأويل في معنى النفقة التي ذكرها في هذه الآية، فقال بعضهم: هي النفقة المعروفة في الناس. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: * (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) * قال: نفقة الكافر في الدنيا.