وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم، فإن نكاحهن لكم حلال كان لأنهن لم يكن لهم حلائل، وإنما كان ما كان من آبائكم منهن من ذلك فاحشة ومقتا وساء سبيلا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) *... الآية، قال: الزنا، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا. فزاد ههنا المقت.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب على ما قاله أهل التأويل في تأويله، أن يكون معناه: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم إلا ما قد سلف منكم، فمضى في الجاهلية، فإنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، فيكون قوله: * (من النساء) * من صلة قوله:
* (ولا تنكحوا) * ويكون قوله: * (ما نكح آباؤكم) * بمعنى المصدر، ويكون قوله: * (إلا ما قد سلف) * بمعنى الاستثناء المنقطع، لأنه يحسن في موضعه: لكن ما قد سلف فمضى، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا.
فإن قال قائل: وكيف يكون هذا القول موافقا قول من ذكرت قوله من أهل التأويل، وقد علمت أن الذين ذكرت قولهم في ذلك، إنما قالوا: أنزلت هذه الآية في النهي عن نكاح حلائل الآباء، وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحهم؟ قيل له: وإن قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل، إذ كانت ما في كلام العرب لغير بني آدم، وإنه لو كان المقصود بذلك النهي عن حلائل الآباء دون سائر ما كان من مناكح آبائهم حراما، ابتدئ مثله في الاسلام، بنهي الله جل ثناؤه عنه، لقيل: ولا تنكحوا من نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، لان ذلك هو المعروف في كلام العرب، إذ كان من لبني آدم وما لغيرهم، ولا تقل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، فإنه يدخل في ما ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم، فحرم عليهم في الاسلام بهذه الآية نكاح حلائل الآباء، وكل نكاح سواه، نهى الله تعالى ذكره ابتداء مثله في الاسلام، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شركهم.
ومعنى قوله: * (إلا ما قد سلف) *: إلا ما قد مضى، * (إنه كان فاحشة) * يقول: إن نكاحكم الذي سلف منكم، كنكاح آبائكم المحرم عليكم ابتداء مثله في الاسلام بعد تحريمي ذلك عليكم فاحشة، يقول: معصية * (ومقتا وساء سبيلا) *: أي بئس طريقا ومنهجا