فإن قال قائل: فإن كان الامر على ما وصفت من أن معناه: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب أن يا بني، فما بال أن محذوفة من الكلام؟ قيل: لان الوصية قول فحملت على معناها، وذلك أن ذلك لو جاء بلفظ القول لم تحسن معه أن، وإنما كان يقال: وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب: يا بني، فلما كانت الوصية قولا حملت على معناها دون قولها، فحذفت أن التي تحسن معها، كما قال تعالى ذكره: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وكما قال الشاعر:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجن بنجد وشجن لي ببلاد السند فحذفت أن إذ كان الابداء باللسان في المعنى قولا، فحمله على معناه دون لفظه.
وقد قال بعض أهل العربية: إنما حذفت أن من قوله: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب باكتفاء النداء، يعني بالنداء قوله: يا بني، وزعم أن علته في ذلك أن من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات عن أن كقولهم: ناديت هل قمت؟ وناديت أين زيد؟ قال: وربما أدخلوها مع الأدوات فقالوا: ناديت أن هل قمت؟ وقد قرأ عهد إليهم عهدا بعد عهد، وأوصى وصية بعد وصية.
القول في تأويل قوله تعالى: يا بني إن الله اصطفى لكم الدين.
يعني تعالى ذكره بقوله: إن الله اصطفى لكم الدين إن الله اختار لكم هذا الدين الذي عهد إليكم فيه واجتباه لكم. وإنما أدخل الألف واللام في الدين، لان الذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك كانوا قد عرفوه بوصيتهما إياهم به وعهدهما إليهم فيه، ثم قالا لهم بعد أن عرفاهموه: إن الله اصطفى لكم هذا الدين الذي قد عهد إليكم فيه، فاتقوا الله أن تموتوا إلا وأنتم عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
إن قال لنا قائل: أو إلى بني آدم الموت والحياة فينهى أحدهم أن يموت إلا على حالة