ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحكمة التي ذكرها الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي السنة. ذكر من قال ذلك:
1714 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، والحكمة:
أي السنة.
وقال بعضهم: الحكمة هي المعرفة بالدين والفقه فيه. ذكر من قال ذلك:
1715 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: ما الحكمة؟
قال: المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له.
1716 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
والحكمة قال: الحكمة: الدين الذي لا يعرفونه إلا به (ص) يعلمهم إياها. قال:
والحكمة: العقل في الدين وقرأ: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. وقال لعيسى: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. قال: وقرأ ابن زيد: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها. قال: لم ينتفع بالآيات حيث لم تكن معها حكمة. قال: والحكمة شئ يجعله الله في القلب ينور له به.
والصواب من القول عندنا في الحكمة، أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول (ص) والمعرفة بها، وما دل عليه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذ من الحكم الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل بمنزلة الجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، يقال منه: إن فلانا لحكيم بين الحكمة، يعني به أنه لبين الإصابة في القول والفعل. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم، وفصل قضائك، وأحكامك التي تعلمه إياها.
القول في تأويل قوله تعالى: ويزكيهم.
قد دللنا فيما مضى تعلمه إياها قبل على أن معنى التزكية: التطهير، وأن معنى الزكاة: النماء