ورافع بن خديج وغيرهم، أن النبي (ص) قال: اللهم إن إبراهيم حرم مكة وأن ليس أحدهما دافعا صحة معنى الآخر كما ظنه بعض الجهال.
وغير جائز في أخبار رسول الله (ص) أن يكون بعضها دافعا بعضا إذا ثبت صحتها، وقد جاء الخبران اللذان رويا في ذلك عن رسول الله (ص) مجيئا ظاهرا مستفيضا يقطع عذر من بلغه.
وقول إبراهيم عليه السلام: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم فإنه إن يكن قال قبل إيجاب الله فرض تحريمه على لسانه على خلقه، فإنما عنى بذلك تحريم الله إياه الذي حرمه بحياطته إياه وكلائه من غير تحريمه إياه على خلقه على وجه التعبد لهم بذلك. وإن يكن قال ذلك بعد تحريم الله إياه على لسانه على خلقه على وجه التعبد، فلا مسألة لاحد علينا في ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر.
وهذه مسألة من إبراهيم ربه أن يرزق مؤمني أهل مكة من الثمرات دون كافريهم.
وخص بمسألة ذلك للمؤمنين دون الكافرين لما أعلمه الله عند مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة يقتدي بهم أن منهم الكافر الذي لا ينال عهده، والظالم الذي لا يدرك ولايته.
فلما أن علم أن من ذريته الظالم والكافر، خص بمسألته ربه أن يرزق من الثمرات من سكان مكة المؤمن منهم دون الكافر، وقال الله له: إني قد أجبت دعاءك، وسأرزق مع مؤمني أهل هذا البلد كافرهم، فأمتعه به قليلا. وأما من في قوله: من آمن منهم بالله واليوم الآخر فإنه نصب على الترجمة، والبيان عن الأهل، كما قال تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه بمعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، وكما قال تعالى ذكره: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا بمعنى: ولله حج البيت على من استطاع إليه سبيلا.
وإنما سأل إبراهيم ربه ما سأل من ذلك لأنه حل بواد غير ذي زرع ولا ماء ولا أهل، فسأل أن يرزق أهله ثمرا، وأنه يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، فذكر أن إبراهيم لما سأل ذلك ربه نقل الله الطائف من فلسطين.