أشبه ذلك من الاخبار التي يطول باستيعابها الكتاب.
قالوا: وقد أخبر الله تعالى ذكره في كتابه أن إبراهيم قال: رب اجعل هذا بلدا آمنا ولم يخبر عنه أنه سأل أن يجعله آمنا من بعض الأشياء دون بعض، فليس لأحد أن يدعي أن الذي سأله من ذلك الأمان له من بعض الأشياء دون بعض إلا بحجة يجب التسليم لها.
قالوا: وأما خبر أبي شريح وابن عباس فخبران لا تثبت بهما حجة لما في أسانيدهما من الأسباب التي لا يجب التسليم فيها من أجلها.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله تعالى ذكره جعل مكة حرما حين خلقها وأنشأها، كما أخبر النبي (ص) أنه حرمها يوم خلق السماوات والأرض بغير تحريم منه لها على لسان أحد من أنبيائه ورسله، ولكن بمنعه من أرادها بسوء، وبدفعه عنها من الآفات والعقوبات، وعن ساكنيها ما أحل بغيرها وغير ساكنيها من النقمات فلم يزل ذلك أمرها حتى بوأها الله إبراهيم خليله، وأسكن بها أهله هاجر وولده إسماعيل، فسأل حينئذ إبراهيم ربه إيجاد فرض تحريمها على عباده على لسانه، ليكون ذلك سنة لمن بعده من خلقه، يستنون بها فيها، إذ كان تعالى ذكره قد اتخذه خليلا، وأخبره أنه جاعله للناس إماما يقتدي به، فأجابه ربه إلى ما سأله، وألزم عباده حينئذ فرض تحريمه على لسانه، فصارت مكة بعد أن كانت ممنوعة بمنع الله إياها بغير إيجاب الله فرض الامتناع منها على عباده، ومحرمة بدفع الله عنها بغير تحريمه إياها على لسان أحد من رسله فرض تحريمها على خلقه على لسان خليله إبراهيم عليه السلام، وواجب على عباده الامتناع من استحلالها، واستحلال صيدها وعضاهها، بإيجابه الامتناع من ذلك ببلاغ إبراهيم رسالة الله إليك بذلك إليه فلذلك أضيف تحريمها إلى إبراهيم، فقال رسول الله (ص): إن الله حرم مكة لان فرض تحريمها الذي ألزم الله عباده على وجه العبادة له به، دون التحريم الذي لم يزل متعبدا لها به على وجه الكلاء والحفظ لها قبل ذلك كان عن مسألة إبراهيم ربه إيجاب فرض ذلك على لسانه، لزم العباد فرضه دون غيره.
فقد تبين إذا بما قلنا صحة معنى الخبرين، أعني خبر أبي شريح وابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: إن الله حرم مكة يوم خلق الشمس والقمر. وخبر جابر وأبي هريرة