وقد اختلف أهل العربية في إضافة حق إلى المعرفة، فقال بعض نحويي الكوفة:
غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى أي، وبمعنى قولك: أفضل رجل فلان، وأفعل لا يضاف إلى واحد معرفة لأنه مبعض، ولا يكون الواحد المبعض معرفة. فأحالوا أن يقال: مررت بالرجل حق الرجل، ومررت بالرجل جد الرجل، كما أحالوا مررت بالرجل أي الرجل، وأجازوا ذلك في كل الرجل وعين الرجل ونفس الرجل، وقالوا: إنما أجزنا ذلك لان هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا، فلما صرن مدوحا تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة. وزعموا أن قوله: يتلونه حق تلاوته إنما جازت إضافته إلى التلاوة، وهي مضافة إلى معرفة لان العرب تعتد بالهاء إذا عادت إلى نكرة بالنكرة، فيقولون: مررت برجل واحد أمه، ونسيج وحده، وسيد قومه. قالوا: فكذلك قوله: حق تلاوته إنما جازت إضافة حق إلى التلاوة وهي مضافة إلى الهاء، لاعتداد العرب ب الهاء التي في نظائرها في عداد النكرات. قالوا: ولو كان ذلك حق التلاوة لوجب أن يكون جائزا: مررت بالرجل حق الرجل، فعلى هذا القول تأويل الكلام: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوة.
وقال بعض نحويي البصرة: جائزة إضافة حق إلى النكرات مع النكرات، ومع المعارف إلى المعارف وإنما ذلك نظير قول القائل: مررت بالرجل غلام الرجل، وبرجل غلام رجل. فتأويل الآية على قول هؤلاء: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته.
وأولى ذلك بالصواب عندنا القول الأول لان معنى قوله: حق تلاوته أي تلاوة، بمعنى مدح التلاوة التي تلوها وتفضيلها. وأي غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم، وكذلك حق غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة، وإنما أضيف في حق تلاوته إلى ما فيه الهاء لما وصفت من العلة التي تقدم بيانها.
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك يؤمنون به.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناءه بقوله: أولئك هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يتلون ما آتاهم من الكتاب حق تلاوته.
وأما قوله: يؤمنون به فإنه يعني يصدقون به. والهاء التي في قوله به عائدة على